على الحقيقة، أو كنّى بهذه اللفظة عن غيرها؟ فإن كان الأول فما الفائدة فى إتيانها من أبوابها دون ظهورها؟ وإن كانت كناية فبيّنوا وجهها ومعناها.
الجواب قيل له فى الآية وجوه.
أولها ما ذكر من أنّ الرجل من العرب كان إذا قصد حاجة فلم تقض له، ولم ينجح فيها رجع فدخل من مؤخّر البيت، ولم يدخل من بابه تطيّرا، فدلّهم الله تعالى على أنّ هذا من فعلهم لا برّ فيه، وأمرهم من التّقى بما ينفعهم ويقرّبهم إليه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التطيّر وقال: «/ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر»؛ أى لا يعدى شيء شيئا. وقال عليه السلام: «لا يورد ذو عاهة على مصحّ»؛ ومعنى هذا الكلام أنّ من لحقت إبله آفة أو مرض فلا ينبغى أن يوردها على إبل لغيره صحاح، لأنّه متى لحق الصّحاح مثل هذه العاهة اتفاقا، لا لأجل العدوى لم يؤمن من صاحب الصّحاح أن يقول إنما لحق إبلى هذه الآفة من تلك الإبل، وهى أعدت إبلى، فنهى النبي صلى الله عليه وآله عن هذا، ليزول المأثم بين الفريقين والظّنّ القبيح.
وثانيها أن العرب إلّا قريشا ومن ولدته قريش كانوا إذا أحرموا فى غير الأشهر الحرم لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها، ودخلوها من ظهورها إذا كانوا من أهل الوبر، وإذا كانوا من أهل المدر نقبوا فى بيوتهم ما يدخلون ويخرجون منه، ولم يدخلوا ولم يخرجوا من أبواب البيوت؛ فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأعلمهم أنه لا معنى له، وأنه ليس من البرّ وأن البرّ غيره.
وثالثها- وهو جواب أبى عبيدة معمر بن المثنى- أن المعنى ليس البرّ بأن تطلبوا الخير من غير أهله، وتلتمسوه من غير بابه، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، معناه: واطلبوا الخير من وجهه، ومن عند أهله.
ورابعها- وهو جواب أبى عليّ الجبّائىّ- أن تكون الفائدة فى هذا الكلام ضرب المثل،