وسابعها- وهو جواب اختاره أبو مسلم بن بحر، وزعم أنّه أولى من غيره- قال المضمرون فى قوله: أَيْدِيهِمْ الرسل، وكذلك المضمرون فى أَفْواهِهِمْ، والمراد باليد هاهنا ما نطق به الرسل من الحجج والبيّنات التى ذكر الله تعالى أنهم جاءوا بها قومهم؛ واليد فى كلام العرب قد تقع على النعمة وعلى السلطان أيضا، وعلى الملك، وعلى العهد والعقد؛ ولكل ذلك شاهد من كلامهم؛ والّذي أتى به الأنبياء قومهم هو الحجة والسلطان، وهو النعمة، وهو العهد، وكلّ ذلك يقع عليه اسم اليد. ولمّا كان ما يعظ به الأنبياء قومهم وينذرونهم به إنما يخرج من أفواههم، فردوه وكذبوه قيل: إنهم ردّوا أيديهم فى أفواههم، أى أنهم ردّوا القول من حيث جاء قال: ولا يجوز أن يكون الضمير فى ذلك للمرسل إليهم كما تأوله بعض المفسرين، وذكر أن معناه أنهم عضّوا عليهم أناملهم غيظا؛ لأن رافع يده إلى فيه، والعاضّ عليها لا يسمّى رادّا ليده إلى فيه، إلا إذا كانت يده فى فيه فيخرجها ثم يردّها.

قال سيدنا الشريف أدام الله علوّه: وليس ما استنكره أبو مسلم من رد الأيدى إلى الأفواه بمستنكر ولا بعيد، لأنه قد يقال: ردّ يده إلى فيه، وإلى وجهه، وعاد فلان يقول كذا، ورجع يفعل كذا؛ وإن لم يتقدم ذلك الفعل منه. ولو لم يسغ هذا القول تحقيقا؛ لساغ تجوّزا واتساعا؛ وليس يجب أن تؤخذ العرب بالتحقيق فى كلامها؛ فإن تجوّزها/ واستعاراتها أكثر، على أنه يمكن أن يكون المراد بذلك أنهم فعلوا ذلك الفعل شيئا بعد شيء، وتكرّر منهم، فلهذا جاز أن يقول: ردّوا أيديهم فى أفواههم، لأنه قد تقدم منهم مثل هذا الفعل، فلما تكرّر جازت العبارة عنه بالرّد، وهذا يبطل استضعافه للجواب إذا صرنا إلى مراده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015