إن سأل سائل عن الخبر الّذي يرويه أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: «ما من أحد يدخله عمله الجنة، وينجيه من النار»، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا؛ إلّا أن يتغمّدنى الله برحمة منه وفضل»، يقولها ثلاثا.
فقال: أوليس فى هذا دلالة على أنّ الله تعالى يتفضّل بالثواب، وأنه غير مستحق عليه؟
ومذهبكم بخلاف ذلك.
الجواب، قلنا: فائدة الخبر ومعناه بيان فقر المكلّفين إلى الله تعالى، وحاجتهم إلى ألطافه وتوفيقاته ومعوناته، وأنّ العبد لو أخرج إلى نفسه، وقطع الله تعالى موادّ المعونة واللطف عنه لم يدخل/ بعمله الجنة، ولا نجا من النار؛ فكأنه عليه السلام أراد أنّ أحدا لا يدخل الجنة بعمله الّذي لم يعنه الله تعالى عليه، ولا لطف له فيه، ولا أرشده إليه؛ وهذا هو الحق الّذي لا شبهة فيه؛ فأما الثواب فما نأبى القول بأنه تفضّل؛ بمعنى أنّ الله تعالى تفضّل بسببه الّذي هو التكليف، ولهذا نقول: إنه لا يجب على الله تعالى شيء ابتداء، وإنما يجب عليه ما أوجبه على نفسه، فالثواب مما كان أوجبه على نفسه بالتكليف؛ وكذلك التمكين والإلطاف، وكل ما يجلبه ويوجبه التكليف، ولولا إيجابه له على نفسه بالتكليف لما وجب.
فإن قيل: فقد سمى الرسول ما يفعل به فضلا فقال: «إلّا أن يتغمّدنى الله برحمة منه وفضل»، قلنا هذا يطابق ما ذكرناه، لأنّ الرحمة النعمة والثواب نعمة، وهو يفضّل من الوجه الّذي ذكرناه، وإن حملنا قوله عليه السلام: «برحمة منه وفضل» على ما يفعل به من الألطاف والمعونات فهى أيضا فضل وتفضّل لأنّ سببها غير واجب.
فأما قوله عليه الصلاة والسلام: «يتغمدنى» فمعناه يسترنى، يقال غمدت السيف فى غمده إذا سترته، قال الشاعر:
نصبنا رماحا فوقها جدّ عامر … كظلّ السّماء، كلّ أرض تغمّدا