أخطأ ذو الرّمة فى رجوعه عن قوله الأوّل، وأخطأ ابن شبرمة فى اعتراضه عليه؛ هذا كقوله عز وجل: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها، أى لم يرها.
فأما قوله عز وجل: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها؛ [طه: - 15]، فيحتمل أن يكون المعنى: أريد أخفيها لكى تجزى كلّ نفس بما تسعى. ويجوز أن تكون زائدة ويكون/ المعنى إنّ الساعة آتية أخفيها لتجزى كلّ نفس. وقد قيل فيه وجه آخر؛ وهو أن يتم الكلام عند قوله تعالى: آتِيَةٌ أَكادُ، ويكون المعنى: أكاد آتى بها، ويقع الابتداء بقوله أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ؛ ومما يشهد لهذا الوجه قول ضابئ البرجمىّ:
هممت ولم أفعل وكدت وليتنى … تركت على عثمان تبكى حلائله (?)
أراد: وكدت أقتله، فحذف الفعل لبيان معناه.
وروى عن سعيد بن جبير أنّه كان يقرأ: أَكادُ أُخْفِيها، فمعنى أخفيها على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا:
يخفى التّراب بأظلاف ثمانية … فى أربع مسّهنّ الأرض تحليل (?)
أراد أنه يظهر التراب ويستخرجه بأظلافه، وقال امرؤ القيس:
فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه … وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (?)
أى لا نظهره؛ وقال النابغة:
تخفى بأظلافها حتّى إذا بلغت … يبس الكثيب تداعى التّرب فانهدما (?)