أراد تأكيد القول بأن كلّ ثمن يؤخذ عنها يكون قليلا بالإضافة إليها، ويكون المتعوّض به عنها مغبونا مبخوسا خاسر الصفقة.
والوجه الآخر أنّ فى التكبر ما يكون ممدوحا لأنّ من تكبر وتنزّه عن الفواحش والدنايا وتباعد من فعلها، وتجنب أهلها يكون مستحقا للمدح، سالكا لطريق الحقّ؛ وإنما التكبّر المذموم هو الواقع على وجه النّخوة والبغى والاستطالة على ذوى الضّعف والفخر عليهم، والمباهاة لهم، ومن كان بهذه الصفة فهو مجانب للتواضع الّذي ندب الله تعالى إليه، وأرشد إلى الثواب المستحقّ عليه، ويستحق بذلك الذمّ والمقت، فلهذا شرط تعالى أن يكون التكبر
بغير الحق. وقوله تعالى فى هذه السورة: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛ [الأعراف: 33]، يحتمل أيضا هذين الوجهين اللّذين ذكرناهما.
فإن أريد به البغى المكروه الّذي هو الظلم وما أشبهه، كان قوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ تأكيدا وإخبارا عن أن هذه صفته، وإن أريد بالبغى الطلب- وذلك هو أصله فى اللغة- كان الشرط فى موضعه؛ لأنّ الطلب قد يكون بالحقّ وبغير الحقّ.
فإن قيل فما معنى قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا/ وهل الرؤية هاهنا العلم والإدراك بالبصر؟ وهب أنها يمكن أن تكون فى قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها محمولة على رؤية البصر، لأن الآيات والأدلة مما يشاهد كيف تحمل الرؤية الثانية على العلم، وسبيل الرشد إنما هى طريقه، ولا يصحّ أن يرجع بها إلى المذاهب والاعتقادات التى لا تجوز عليها رؤية البصر، فلا بد إذا من أن يكون المراد به رؤية العلم؛ ومن علم طريق الرّشد لا يجوز أن ينصرف عنه إلى طريق الغىّ؛ لأن العقلاء لا يختارون مثل ذلك.
قلنا: الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون المراد بالرؤية الثانية رؤية البصر، ويكون السبيل المذكورة فى الآية هى الأدلة؛ لأنها مما يدرك بالبصر، وتسمّى بأنها سبيل إلى