بها، وهو تعالى إذا أهلك هؤلاء الجبّارين المتكبرين، واصطلمهم فقد صرفهم عن آياته، من حيث اقتطعهم عن مشاهدتها، والنظر فيها بانقطاع التكليف عنهم، وخروجهم عن صفات أهله.

وهذا الوجه يمكن أن يقال فيه: إن العقوبة لا تكون إلّا مضادّة للاستخفاف والإهانة، كما أن الثواب لا بدّ أن يكون مقترنا بالتعظيم والتبجيل والإجلال (?)؛ وإماتة الله تعالى الأمم وما يفعله من بوار وإهلاك لا يقترن إليه ما لا بدّ أن يكون مقترنا إلى العقاب من الاستخفاف، ولا يخالف ما يفعله تعالى بأوليائه على سبيل الامتحان والاختبار؛ فكيف يصح ما ذكرتموه! .

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: لا يمتنع أن يضمّ الله تعالى إلى ما يفعله بهؤلاء الكفار المكذّبين [من الإهلاك والبوار اللعن والذم والاستخفاف] (?)، ويأمرنا [أن نفعل ذلك بهم، فيكون/ ما يقع بهم من الإيلام على وجه العقوبة وبشروطها، ولا يمتنع أن يكون الله تعالى يتعبّد ويأمر بإهلاكهم] (?)، وقتلهم على وجه الاستخفاف والنّكال، ويضيف الله تعالى ذلك إليه من حيث وقع بأمره وعن أذنه.

فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ؛ كأنّ فى التكبّر ما يكون بالحق!

قلنا فى هذا وجهان: أحدهما أن يكون ذلك على سبيل التأكيد والتغليظ والبيان عن أنّ التّكبر لا يكون إلا بغير الحق، وأن هذه صفة له لازمة غير مفارقة؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ؛ [المؤمنون: 117]، وقوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ [النساء: 155]، ولم يرد تعالى إلا المعنى الّذي ذكرناه. ومثله قوله تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا؛ [البقرة: 41]، ولم يرد النهى عن الثمن القليل دون الكثير، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015