/ اعلم أنّ أجوبة المحاورة والمناظرة إنّما تستحسن وتؤثر إذا جمعت مع الصواب سرعة الحضور؛ فكم من جواب أتى بعد لأى، وورد بعد تقاعس، فلم يكن له فى النفوس وقع، ولا حلّ من القلوب محل الحاضر السريع؛ وإن كان المتثاقل أعرق فى نسب الإصابة، وآخذ بأطراف الحجّة، ولهذا قيل: أحسن النّاس جوابا وأحضرهم قريش، ثم العرب، وإنّ الموالى تأتى أجوبتها بعد فكرة ورويّة.
وقد مدح الجواب الحاضر بكل لسان، فقال صحار العبدىّ لمعاوية بن أبى سفيان- وقد سأله عن البلاغة- فقال: أن تصيب فلا تخطئ، وتسرع ولا تبطئ، ثم اختصر ذلك فقال: لا تخطئ ولا تبطئ.
ولطول الفكرة والإغراق فى الرويّة مذهب وأوان لا يحمد فيهما (?) التسرّع والتعجل، كما لا يحمد فى أوان السرعة التثاقل والتأيّد؛ وإنما تحمد السرعة فى أجوبة المحاورة والمناظرة، وتراد الفكرة والرويّة للآراء المستخرجة والأمور المستنبطة؛ التى على الإنسان فيها مهلة، وله فى تأملها فسحة، ولا عيب عليه معها فى إطالة التأمل، وإعادة التصفّح؛ ولهذا قال الأحنف ابن قيس بصفّين: أغبّوا الرأى، فإن ذلك يكشف لكم عن محضه.
وقال عبد الله بن وهب الراسبىّ لما أراده الخوارج على الكلام حين عقدوا له: لا خير فى الرأى الفطير، والكلام القضيب.
وشوور ابن التوأم الرّقاشىّ (?) فأمسك عن الجواب وقال: ما أحبّ الخبز إلّا بائتا.