حتى دنا من خالد، فقال له: انعم صباحا أيها الملك! قال: قد أغنانا الله عن تحيّتك هذه، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبى، قال: فمن أين خرجت؟ قال من بطن أمى، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: فى ثيابى، قال:
أتعقل- لا عقلت؟ قال: إي والله/ وأقيّد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت كاليوم قطّ، إنى أسأله عن الشيء [وينحو فى غيره] (?)، قال: ما أجبتك إلّا عما سألت، فسل عمّا بدا لك.
قال: أعرب أنتم أم نبيط (?)؟ قال: عرب استنبطنا، ونبيط استعربنا، قال: أفحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما هذى الحصون؟ قال: بنيناها للسّفيه (?) نحذر منه حتّى يجيء الحليم فينهاه، قال: كم أنى لك؟ قال: ستون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟
قال: أدركت سفن البحر ترفأ (?) فى هذا الجرف، ورأيت المرأة تخرج من الحيرة، وتضع مكتلها على رأسها، لا تزوّد إلّا رغيفا واحدا حتى تأتى الشام، ثم قد أصبحت خرابا يبابا، وذلك دأب الله فى البلاد والعباد.
قال- ومعه سمّ ساعة يقلّبه فى كفّه-: فقال له خالد: ما هذا فى كفّك؟ قال: هذا السّم، قال: ما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومى وأهل بلدى حمدت الله وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلّا وبلاء،
أشربه فأستريح من الدنيا، فإنما بقى من عمرى اليسير، قال خالد: هاته، فأخذه ثم قال: بسم الله وبالله رب الأرض والسماء، الّذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم أكله، فتجللته غشية، ثم ضرب بذقنه فى صدره طويلا، ثم عرق فأفاق، كأنما أنشط من عقال.
فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال: جئتكم من عند شيطان، أكل سمّ ساعة فلم يضرّه،