قال: فما مالكم؟ قلت: المعزى، قال: وما هى؟ قلت: لو كنّا نولّدها فطما، ونسلخها أدما- ويروى: «أدما» بالفتح- لم نبغ بها نعما. فقال لها: جذوة (?) مغنية- ويروى:
جدوى (?) مغنية.
ثم أنى الصغرى فقال: كيف زوجك؟ قالت: شرّ زوج؛ يكرم نفسه، ويهين عرسه؛ قال: فما مالكم؟ قالت: شرّ مال، قال: وما هو؟ قالت: الضأن، جوف لا يشبعن، وهيم لا ينقعن، وصمّ لا يسمعن، وأمر مغويتهن يتبعن. فقال أبوها: «أشبه امرؤ (?) بعض بزّه»، فمضت مثلا.
أمّا قول إحدى بناته فى الشعر: «أشمّ»، فالشمم هو ارتفاع أرنبة الأنف وورودها؛ يقال: رجل أشمّ، ، وامرأة شماء، وقوم شمّ، قال حسان بن ثابت:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم … شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل (?)
والشّمم: الارتفاع فى كلّ شيء؛ فيحتمل أن يكون حسّان أراد بشمّ الأنوف ما ذكرناه من ورود الأرنبة؛ لأن ذلك عندهم دليل العتق والنجابة. ويجوز أن يريد بذلك الكناية عن نزاهتهم وتباعدهم عن دنايا الأمور ورذائلها؛ وخصّ الأنوف بذلك؛ لأن الحميّة والغضب والأنف (?) فيها؛ ولم يرد طول أنفهم؛ وهذا أشبه بأن يكون مراده؛ لأنه قال: «بيض الوجوه» ولم يرد بياض اللون فى الحقيقة، وإنما كنى بذلك عن نقاء أعراضهم، وجميل أخلاقهم وأفعالهم؛ كما يقول القائل: جاءنى فلان بوجه أبيض، وقد بيّض فلان وجهه بكذا وكذا، وإنما يعنى ما ذكرناه. وقول المرأة: «أشمّ كنصل السيف» يحتمل الوجهين أيضا. وقول حسان «من الطراز الأول»، أى أفعالهم أفعال آبائهم وسلفهم، وأنّهم لم يحدثوا أخلاقا مذمومة لا تشبه نجارهم وأصولهم. وقولها: «عين مهنّد»؛ أى هو المهنّد بعينه، كما يقال: هذا هو بعينه، وعين