وهو القائل:

إذا (?) ما المرء صمّ فلم يكلّم (?) … وأودى سمعه إلّا ندايا (?)

ولاعب بالعشىّ بنى بنيه … كفعل الهرّ يحترش العظايا

يلاعبهم وودّوا لو سقوه … من الذّيفان مترعة ملايا [4]

فلا ذاق النّعيم ولا شرابا … ولا يشفى من المرض الشّفايا

أراد بقوله: «صمّ فلم يكلم»، أى لم يسمع ما يكلّم به، فاختصر؛ ويجوز أن يريد أنّه لم يكلّم لليأس من استماعه فأعرض عن خطابه لذلك. وقوله: «وأودى سمعه إلّا ندايا» أراد أنّ سمعه هلك؛ إلّا أنه يسمع الصوت العالى الّذي ينادى به.

وأما قوله: «ولاعب بالعشىّ بنى بنيه»، فإنّه مبالغة فى وصفه بالهرم والخرف، وأنه قد تناهى إلى ملاعبة الصبيان وأنسهم به. ويشبه أن يكون خصّ العشىّ بذلك لأنّه وقت رواح الصبيان إلى بيوتهم واستقرارهم فيها.

وقوله: «يحترش العظايا» / أى يصيدها، والاحتراش أن يقصد الرجل إلى جحر الضّب فيضربه بكفّه ليحسبه الضب أفعى، فيخرج إليه فيأخذه، يقال: حرشت الضّبّ، واحترشته؛ ومن أمثالهم: «هذا أجلّ من الحرش»، يضرب عند الأمر يستعظم، ويتكلم بذلك على لسان الضب. قال ابن دريد: قال الضب لابنه: اتّق الحرش، قال:

وما الحرش؟ قال: إذا سمعت حركة بباب الجحر فلا تخرج؛ فسمع يوما وقع المحفار فقال:

يا أبه، أهذا الحرش؟ فقال: «هذا أجلّ من الحرش»؛ فجعل مثلا للرجل إذا سمع الشيء الّذي هو أشدّ مما كان يتوقّعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015