هاتين الجهتين قبلتين، واعتقدوا فى الصلاة إليهما أنهما/ برّ وطاعة خلافا على الرسول صلى الله عليه وآله أكذبهم الله تعالى فى ذلك، وبيّن أن ذلك ليس من البر، إذ كان منسوخا بشريعة النبي صلى الله عليه وآله؛ التى تلزم الأسود والأبيض، والعربى والعجمىّ، وأن البرّ هو ما تضمنته الآية.
فأما إخباره «بمن» ففيه وجوه ثلاثة:
أولها أن يكون معنى «البرّ» هاهنا البارّ وذا البرّ، وجعل أحدهما فى مكان الآخر؛ والتقدير:
ولكنّ البارّ من آمن بالله؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً؛ [الملك: 30]، يريد غائرا، ومثل قول الشاعر:
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت … فإنما هى إقبال وإدبار (?)
أراد أنها مقبلة مدبرة، ومثله:
تظلّ جيادهم نوحا عليهم … مقلّدة أعنّتها صفونا (?)
أراد نائحة عليهم، ومثله قول الشاعر:
هريقى من دموعهما سجاما … ضباع (?) وجاوبى نوحا قياما
والوجه الثانى أن العرب قد تخبر عن الاسم بالمصدر والفعل، وعن المصدر بالاسم، فأمّا إخبارهم عن المصدر بالاسم فقوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وقول العرب: إنما البرّ الّذي يصل الرحم ويفعل كذا وكذا، وأما إخبارهم عن الاسم بالمصدر والفعل فمثل قول الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى … ولكنّما الفتيان كلّ فتى ند (?)