قال: إنى عمرو بن عبيد، وكانت على المنصور جبّة يمانية محقّقة (?)؛ فقال: ويلك يا ربيع! عمرو بالباب؟ قال: نعم، قال: هات لى قميصا أبيض، فأتاه به، فألقاه عليه، ثم قال: در من خلفى؛ فغط الجبة وازرر عليّ- قال الربيع: ولم أكن أرى أحدا يوقّره المنصور حتى رأيت عمرو بن عبيد- فدخل عليه رجل آدم مربوع الكدنة (?)، بين عينيه أثر السجود، حسن الأدب، حسن اللسان؛ كأنه لم يزل مع الملوك فى توقيره للخليفة، وإعظامه إياه، قال:
فسلّم، فاجتذبه المنصور ليجلس معه فأبى، وطرح نفسه بين يديه، فساء له واحتفى (?) به، فلما أراد عمرو القيام قال له: عظنى يا أبا عثمان وأوجز، قال له: إنّ ما فى يدك لست بوارثه عن أحد، وإنما هو شيء صار إليك، وقد كان فى يد غيرك قبلك، ولو دام لك لبقى فى يد الأول، والسلام. وروى الأصمعىّ قال: قال مطر الوراق لعمرو بن عبيد: إنى لأرحمك مما يقول الناس فيك، فقال عمرو: أتسمعني (?) أقول فيهم شيئا؟ قال: لا، قال: فإياهم فارحم!
/ وقال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد: لم لا تأخذ منّى فتقضى دينا إن كان عليك، وتصل رحمك؟ فقال له عمرو: أما دين فليس عليّ، وأما صلة رحمى فلا يجب عليّ، وليس عندى. قال: فما يمنعك أن تأخذ منّى؟ قال: يمنعنى أنه لم يأخذ أحد من أحد شيئا إلّا ذلّ له، وأنا والله أكره أن أذلّ لك.
ويقال إن ابن لهيعة أتى عمرو بن عبيد فى المسجد الحرام، فسلّم عليه، وجلس إليه، وقال له يا أبا عثمان ما تقول فى قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ؛ [النساء: 129]؟ فقال: ذلك فى محبّة القلوب التى لا يستطيعها العبد ولم يكلّفها (?)، فأما العدل بينهن فى القسمة من النفس والكسوة والنفقة فهو مطيق لذلك، وقد كلّفه بقوله