فإن قيل: إذا كان الّذي حسّن التكرار فى سورة الرحمن ما عدّده من آلائه، ونعمه فقد عدّد فى جملة ذلك ما ليس بنعمة، وهو قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ [آية: 35]، وقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (?) [آية: 43، 44]. فكيف يحسن أن يقول بعقب هذا: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وليس هذا من الآلاء والنعم؟ قلنا: الوجه فى ذلك أن فعل العقاب وإن لم يكن نعمة فذكره ووصفه والإنذار به من أكبر النعم، لأن فى ذلك زجرا عمّا يستحقّ به العقاب وبعثا على ما يستحق به الثواب، فإنما أشار بقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، بعد ذكر جهنم والعذاب فيها إلى نعمته بوصفها والإنذار بعقابها، وهذا مما لا شبهة (?) فى كونه نعمة.
قال سيدنا الشريف الأجلّ المرتضى ذو المجدين أدام الله علوّه: وكما أنه كان فى الجاهلية وقبل الإسلام وفى ابتدائه قوم يقولون بالدهر، وينفون الصانع، وآخرون مشركون يعبدون غير خالقهم، ويستنزلون الرزق من غير رازقهم أخبر الله تعالى عنهم فى كتابه، وضرب لهم الأمثال، وكرّر عليهم البينات والأعلام، فقد نشأ بعد هؤلاء جماعة ممن يتستّر بإظهار الإسلام ويحقن بإظهار شعاره والدخول فى جملة أهله دمه وماله زنادقة ملحدون، وكفار مشركون؛ فمنعهم (?) عزّ الإسلام عن المظاهرة والمجاهرة، وألجأهم خوف القتل إلى المساترة؛ وبلية هؤلاء على الإسلام وأهله أعظم وأغلظ، لأنهم يدغلون فى الدين، ويموّهون على المستضعفين، بجأش رابط، ورأى جامع؛ فعل من قد أمن الوحشة، ووثق بالأنسة، بما يظهره (?) من لباس الدين، الّذي هو منه على الحقيقة عار، وبأثوابه غير متوار، كما يحكى أنّ عبد الكريم بن أبى العوجاء قال لما قبض عليه محمد بن سليمان، وهو والى الكوفة من قبل