مجرى هذا من الألفاظ وتكون فائدة هذا الخبر حسن الثناء من النبىّ عليه السلام على الرجلين، وأنه آخى بينهما وباطنهما كظاهرهما، وسرّهما فى النقاء والصفاء كعلانيتهما؛ حتى لو أنّ أحدهما اطّلع على ما فى قلب الآخر لأعجب به، وكاد يقتله محبة له، وضنّا به؛ وهذا أشبه بمنزلة الرجلين فى نفوسهما وعند النبي عليه السلام، وأليق بأن يكون مدحا وتقريظا؛ وذلك الوجه الآخر يقتضي غاية الذم ونهاية الوصف بالنفاق، وسوء الدخيلة لأن من يظهر جميلا- ولو اطّلع على باطنه لاستحلّ دمه- هو عين المنافق المداهن.
فأما تأويل هذه اللفظة وحملها على العلم فغير مرضىّ، لأن المطلع على ما فى قلب غيره لا يكون إلا عالما بما اطّلع عليه. وأىّ معنى للفظة «قتله» فى هذا الموضع! وهل ذلك إلا تكرير؛ ومما لا فائدة فيه!
فأما حمله على أنه كدّ خاطره، وقسّم فكره فكاد يقتله فممّا المسألة عنه قائمة. ولم يكون مثل كل واحد من هذين الرجلين متى اطّلع على قلب صاحبه كدّ خاطره وأتعب قلبه، حتى كاد يقتله، لولا أنه يطّلع على سوء ومكر! وهذا هو النفاق الّذي ننزّه الرجلين عنه؛ ولا يليق بهما، ولا بالنبى عليه السلام أن يصفهما به.