مسألة

سئل رضى الله عنه عن الخبر المنسوب إلى الصادق عليه السلام من أنه قال: «لقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بين سلمان وأبى ذرّ، ولو اطّلع أبو ذرّ على ما فى قلب سلمان لقتله». وكيف يجوز أن يؤاخى النبىّ عليه السلام بين رجلين، يستحلّ أحدهما إذا اطّلع على ما فى قلب الآخر دمه! وما القول فيمن تأوّل هذا القول وهو «قتله» على أن الهاء راجعة على ما فى قلبه، وأراد: لقتله علما؟ وهل ذلك تأويل جائز أم لا؟ وما القول أيضا فيمن تأوله على غير هذا الوجه فقال: إنّ معنى قوله: «لقتله»؛ أى لكدّ فكره وخاطره كدّا يجهده، وأنه عبّر بالقتل هاهنا على سبيل المبالغة فى تعبيره عن شدة المبالغة والمشقة؛ كما يقول القائل: قتلنى انتظار فلان، ومتّ إلى أن رأيتك، وإلى أن تخلّصت من الشدة التى كنت فيها عدة دفعات؛ وهو يريد الإخبار عن شدة الكلفة والمشقة والمبالغة فى وصفها.

الجواب، وبالله التوفيق؛ إنّ هذا الخبر إذا كان من أخبار الآحاد التى لا توجب علما ولا تثلج صدرا، وكان له ظاهر ينافى المعلوم المقطوع به تأوّلنا ظاهره على ما يطابق الحق ويوافقه إن كان ذلك سهلا، وإلا فالواجب اطراحه وإبطاله. وإذا كان من المعلوم الّذي لا يحيل سلامة سريرة كل واحد من سلمان وأبى ذرّ، ونقاء صدر كل واحد منهما لصاحبه، وأنهما ما كانا من المدغلين فى الدين، ولا المنافقين فلا يجوز مع هذا المعلوم أن يعتقد أنّ الرسول

عليه السلام يشهد بأن كل واحد منهما لو اطلع على ما فى قلب صاحبه لقتله على سبيل الاستحلال لدمه، ويعلم أنه إن كان قال ذاك فله تأويل غير هذا الظاهر الّذي لا يليق بهما.

ومن أجود ما قيل فى تأويله أن الهاء فى قوله: «لقتله» راجعة إلى المطّلع لا إلى المطّلع عليه؛ كأنه أراد: أنه إذا اطّلع على ما فى قلبه، وعلم موافقة باطنه لظاهره، وشدة إخلاصه له اشتد ضنّه ومحبته له، وتمسّكه بمودته ونصرته، فقتله ذلك الضنّ والودّ، بمعنى أنه كاد يقتله، .

كما يقولون: فلان يهوى غيره، وتشتد محبته له حتى إنه قد قتله حبه وأتلف نفسه، وما جرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015