وأنه قد مات، وأنه قد صعد إلى السماء؛ ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله؛ وإذا جاز عند صالح هذا أن يعتقد اليقظان فى السراب أنه الماء، وفى المردى (?) إذا كان فى الماء أنه مكسور؛ وهو على الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة واللّبس؛ فألّا جاز ذلك فى المنام وهو من الكمال أبعد، وإلى النقص أقرب!
وينبغى أن يقسم ما يتخيل النائم أنه يراه إلى أقسام ثلاثة:
منها ما يكون من غير سبب يقتضيه، ولا داع يدعو إليه اعتقادا مبتدأ.
ومنها ما يكون من وسواس الشيطان، يفعل فى داخل سمعه كلاما خفيا يتضمن أشياء مخصوصة؛ فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنه يراه؛ فقد نجد كثيرا من النّيّام يسمعون حديث من تحدّث بالقرب منهم، فيعتقدون أنهم يرون ذلك الحديث فى منامهم.
ومنها ما يكون سببه، والداعى إليه خاطرا يفعله الله تعالى، أو يأمر بعض الملائكة بفعله.
ومعنى هذا الخاطر أيضا أن يكون كلاما يفعل فى داخل السمع، فيعتقد النائم أيضا أنه ما يتضمّن ذلك الكلام. والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح فى الدين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة؛ كما أن ما يقتضي الشر منها الأولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة.
وقد يجوز على هذا فيما يراه النائم فى منامه ثم يصحّ ذلك حتى يراه فى يقظته على حدّ ما يراه فى منامه، وفى كل منام يصحّ تأويله أن يكون سبب صحته أنّ الله تعالى يفعل كلاما فى سمعه لضرب من المصلحة بأنّ شيئا يكون. وقد كان على بعض الصفات، فيعتقد النائم أن الّذي يسمعه هو يراه؛ فإذا صحّ تأويله على ما يراه؛ فما ذكرناه إن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا؛ فإن فى المنامات ما يجوز أن يصح بالاتفاق، وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتفاق؛ فهذا الّذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه.
فإن قيل: أليس قد قال أبو عليّ الجبائىّ فى بعض كلامه فى المنامات: إن الطبائع لا تجوز أن تكون مؤثّرة فيها؛ لأن الطبائع لا تجوز على المذاهب الصحيحة أن تؤثر فى شيء، وأنه غير ممتنع مع ذلك أن يكون بعض المآكل يكثر عندها المنامات بالعادة؛ كما أن فيها ما يكثر عنده بالعادة تخييل الإنسان- وهو مستيقظ- ما لا أصل له.