ما القول فى المنامات؟ أصحيحة هى أم باطلة؟ ومن فعل من هى؟ ومن أىّ جنس هى؟ وما وجه صحتها فى الأكثر؟ وما وجه الإنزال عند رؤية المباشرة فى المنام؟ وإن كان فيها صحيح وباطل، فما السبيل إلى تمييز أحدهما من الآخر؟
الجواب؛ اعلم أنّ النائم غير كامل العقل؛ لأن النوم ضرب من السهو، والسهو ينفى العلوم، ولهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله، وفقد علومه. وجميع المنامات إنما هى اعتقادات يبتدئ بها النائم فى نفسه، ولا يجوز أن تكون من فعل غيره فيه؛ لأنّ من عداه من المحدثين- كانوا بشرا أو ملائكة أو جنّا- أجسام، والجسم لا يقدر أن يفعل فى غيره اعتقادا ابتداء؛ بل ولا شيئا من الأجناس على هذا الوجه؛ وإنما يفعل ذلك فى نفسه على سبيل الابتداء.
وإنما قلنا: إنه لا يفعل فى غيره جنس الاعتقادات متولّدا لأنّ الّذي يعدّى الفعل من محلّ القدرة إلى غيرها من الأسباب إنما هو الاعتمادات، وليس فى أجناس الاعتمادات ما يولّد الاعتقادات؛ ولهذا لو اعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل، ما تولد فيه شيء من الاعتقادات؛ وقد بيّن ذلك وشرح فى مواضع كثيرة، والقديم تعالى هو القادر على أن يفعل فى قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الاعتقادات. ولا يجوز أن يفعل فى قلب النائم اعتقادا؛ [لأن أكثر اعتقادات النائم] (?) جهل، وتتناول الشيء على خلاف ما هو به؛ لأنه يعتقد أنه يرى ويمشى، وأنه راكب، وعلى صفات كثيرة؛ وكلّ ذلك على خلاف ما هو به؛ وهو تعالى لا يفعل الجهل؛ فلم يبق إلا أن الاعتقادات كلّها من جهة النائم.
وقد ذكر فى المقالات أن المعروف بصالح قبة كان يذهب إلى أنّ ما يراه النائم فى منامه على الحقيقة؛ وهذا جهل منه أيضا؛ هو جهل السوفسطائية؛ لأن النائم يرى أن رأسه مقطوع