وقوله: «قالا» من القيلولة لا من القول، على أن قوله تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ كما يدلّ على الرحمة يدلّ أيضا على «أن يرحم»، فإذا جعلنا الكناية بلفظة «ذلك» عن أن يرحم كان التذكير فى موضعه؛ لأن الفعل مذكر، ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ كناية عن اجتماعهم على الإيمان، وكونهم فيه أمة واحدة؛ ولا محالة أنّه لهذا خلقهم؛ ويطابق هذه الآية قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ؛ [الذاريات: 56].
وقد قال قوم فى قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة، فيكونوا فى وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة، وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها؛ [السجدة: 13].
فى أنه أراد: هداها إلى طريق الجنة، فعلى هذا التأويل أيضا يمكن أن ترجع لفظة «ذلك» إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنة، لأنه إنما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها.
فأما قوله تعالى: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فمعناه الاختلاف فى الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهات.
وذكر أبو مسلم ابن بحر فى قوله: مُخْتَلِفِينَ وجها غريبا وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم فى الكفر، / لأنه سواء قولك: خلف بعضهم بعضا، وقولك: اختلفوا (?)، وسواء قولك: قتل بعضهم بعضا، واقتتلوا؛ ومنه قولهم: لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان، أى جاء كلّ واحد منهما بعد الآخر.
فأمّا الرحمة فليست رقة القلب كما ظنه السائل، لكنها فعل النّعم والإحسان، يدلّ على ذلك أنّ من أحسن إلى غيره، وأنعم عليه يوصف بأنه رحيم به، وإن لم يعلم منه رقة قلب عليه، بل وصفهم بالرحمة من لا يعهدون منه رقّة القلب أقوى من وصفهم الرقيق القلب بذلك؛ لأنّ مشقة النعمة والفضل والإحسان على من لا رقّة عنده أكبر منها على الرقيق القلب، وقد علمنا أنّ من رقّ قلبه لو امتنع من الإفضال والإحسان لم يوصف بالرحمة، وإذا أنعم