المجلس الرابع والثمانون قول أبى الطيب

المجلس الرابع والثمانون

قول أبى الطيّب (?):

أنت الجواد بلا منّ ولا كدر … ولا مطال ولا وعد ولا مذل

سألنى سائل عن المذل، فقلت: قد قيل فيه قولان: أحدهما أن معناه القلق، يقال: مذلت من كلامك، أى قلقت، ومذل فلان على فراشه: إذا قلق فلم يستقرّ.

والقول الآخر: البوح بالسّرّ، يقال: فلان مذل بسرّه، وكذلك هو مذل بماله: إذا جاد به.

وذكر أبو زكريّا فى تفسير البيت الوجهين فى المذل، ثم قال: والذى أراد أبو الطيّب بالمذل: أنه لا يقلق بما يلقاه من الشّدائد، كما يقلق غيره. وليس ما قاله بشىء عليه تعويل، بل المذل هاهنا البوح بالأمر، ونفى ذلك عنه، فأراد:

أنه إذا جاد كتم معروفه، فلم يبح به.

وقول أبى زكريّا: «أراد أنه لا يقلق بما يلقاه من الشدائد» قد زاد بذكر الشدائد ما ذهب إليه بعدا من الصّواب، وهل فى البيت ما يدلّ على الشّدائد؟ إنما مبنى البيت على الجود، والخلال التى مدحه بنفيها عنه متعلّقة بمعنى الجود، وهى المنّ والكدر، والمطال والوعد، والمذل الذى هو البوح بالشىء.

...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015