فأمّا من قال: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالنصب، ففيه وجهان، أحدهما. أنه أضمر الفاعل فى الفعل، ودلّ عليه ما تقدّم من قوله: {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ} (?) ألا ترى أنّ هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر، وذلك المضمر هو الوصل كأنه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم، وحكى/سيبويه أنهم قالوا: «إذا كان غدا فأتنى» (?) فأضمر ما كانوا فيه من رخاء أو بلاء، لدلالة الحال عليه، وصارت دلالة الحال بمنزلة جرى الذّكر.
والمذهب الآخر: أن انتصاب البين من قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} على شيء رآه أبو الحسن، وهو أنه كان يذهب إلى أن قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع؛ لأنه لمّا جرى فى كلامهم منصوبا ظرفا، وكثر استعماله، تركوه على ما يكون عليه فى أكثر الكلام، وكذلك قال فى قوله: {يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} (?) وكذلك قال فى قوله: {وَأَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذلِكَ} (?) فدون فى موضع رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منّا الصالح ومنّا الطالح. انتهى كلامه.
وقال أبو إسحاق الزجّاج: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}: «الرفع أجود، ومعناه:
لقد تقطّع وصلكم، والنصب جائز، والمعنى: لقد تقطّع ما كنتم فيه من الشّركة بينكم» (?) وإنما قال: ما كنتم فيه من الشّركة، لقول الله تعالى: {وَما نَرى مَعَكُمْ}