/إن قيل: إن لفظة «بين» الظرفية تقتضى اثنين فصاعدا، كقولك:

جلست بين الرجلين، وبين الرجال، وبين زيد ومحمد، ومحال أن تقول: جلست بين زيد، فتقتصر على واحد، فكيف جاء فى التنزيل: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً} (?) و «ذلك» إنما يشار به إلى الواحد، وكان حقّ الكلام: بين ذينك، وكذلك قوله: {لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} (?).

فالجواب: أن هذا إنما جاز، لأنهم قد يشيرون ب‍ «ذلك» إلى الجمل والحديث الطويل المشتمل على كلم كثيرة، كقولك لمن قال: زيد منطلق، وقد خرج محمد، وسينطلق جعفر: قد عرفت ذلك، ومثله فى التنزيل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ} (?) ونظير هذا فى التنزيل أيضا {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} (?) وجاز هذا لأن «أحدا» موضوع للعموم، فلهذا لا يستعمل إلاّ فى النفى، تقول: ما جاءنى أحد، ولا يجوز: جاءنى أحد، ولو قلت: لا أفرّق بين واحد منهم، لم يجز.

وممّا جاء فى الشّعر نظيرا لقوله: {وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً} وقوله: {عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} قول ابن الدّمينة (?):

عدمتك من نفس فأنت سقبتنى … بكأس الهوى في حبّ من لم يبالك

ومنّيتنى لقيان من لست لاقيا … نهارى ولا ليلى ولا بين ذلك

أى: ولا بين الليل والنهار، أراد بالوقت الذى بين الليل والنهار، الظلّ الذى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015