ام القري (صفحة 148)

والتقليد اسْتُرْ للْجَهْل. وَصَارَ أهل كل إقليم أَو بلد يتعصبون لمؤلفات شيوخهم الأقدمين، ويتخذون الخلافيات مدارا لتطبيق الْأَحْكَام على الْهوى، لَا يبالون بِحمْل أثقال النَّاس فِي الدّين على عواتقهم، يَزْعمُونَ أَن التَّسْلِيم أسلم، وَأَنَّهُمْ إسراء النَّقْل وان خَالف ظَاهر النَّص، ويتوهمون أَن اخْتِلَاف الْأَئِمَّة رَحْمَة للْأمة.

نعم أَن اخْتِلَاف الْأَئِمَّة يكون رَحْمَة إِذا حسن اسْتِعْمَاله، وَيكون نقمة إِذا صَار سَببا للتفرقة الدِّينِيَّة والتباغض: كَمَا هُوَ الْوَاقِع بَين أهل الجزيرة السلفيين، وَبَين أهل مصر والغرب وَالشَّام وَالتّرْك وَغَيرهم من المستسلمين، وَبَين أهل عراق الْعَجم وَفَارِس، والصنف الممتاز من أهل الْهِنْد الشيعيين، وَبَين أهل زنجبار وَمن حَولهمْ من الأباضيين. فَهَذِهِ الْفرق الْكُبْرَى يعْتَقد كل مِنْهُم أَنهم وحدهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وان سواهُم مبتدعون أَو زائغون. فَهَل وَالْحَالة هَذِه يتَوَهَّم عَاقل أَن هَذَا التَّفَرُّق والانشقاق رَحْمَة لَا نقمة، وَسَببه، وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْأَحْكَام، سَبَب خير لَا سَبَب شَرّ؟

وَكَذَلِكَ اخْتِلَاف الْمُجْتَهدين فِي كل فرقة من تِلْكَ الْفرق، لَا يتَصَوَّر الْعقل أَن يكون رَحْمَة إِلَّا بِقَيْد حسن اسْتِعْمَاله، وَإِلَّا فَيكون نقمة حَيْثُ يُوجب تَفْرِقَة ثَانِيَة بَين مالكي وحنفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015