ام القري (صفحة 147)

لَا يَشْعُرُونَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون أَلا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ} . وَقَوله تَعَالَى: {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} .

وَهَكَذَا اتسعت دَائِرَة الْأَحْكَام فِي الشَّرْع، فَصَارَ الْخلف عاجزين عَن الْتِقَاط الْفُرُوع فضلا عَن الرُّجُوع إِلَى الْأُصُول، فاطمأنت الْأمة للتقليد، وَاقْبَلْ الْعلمَاء على التعمقات فِي الدّين: يغرب الْمُفَسّر، ويتفنن وَلَو بحكايات قَاضِي الْجِنّ لِأَنَّهُ غير مطَالب بِدَلِيل. ويتفحص الْمُحدث عَن نَوَادِر الْأَخْبَار والْآثَار وَلَو مَوْضُوعَة لِأَنَّهُ غير مسئول عَن سَنَده. ويستنبط الْفَقِيه الحكم وَلَو بالشبه من وَجه للازم اللَّازِم لِلْعِلَّةِ لِأَن مجَال التحكم وَاسع. وَهَذِه الْفِتْنَة لم تزل مستمرة إِلَى أَن أوقفها قُصُور الهمم عِنْد الْأَكْثَرين.

على أَن هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرين اخلدوا إِلَى التَّقْلِيد الصّرْف حَتَّى فِي مَسْأَلَة التَّوْحِيد الَّتِي هِيَ أساس الدّين، ومبدأ الْإِيمَان وَالْيَقِين، والفارق بَين الْكفْر وَالْإِسْلَام. وَجعلُوا أنفسهم كالعميان لَا يميزون الظلمَة من النُّور وَلَا الْحق من الزُّور، وصاروا يحسنون الظَّن فِي كل مَا يجدونه مدونا بَين دفتي كتاب، لأَنهم رَأَوْا التَّسْلِيم أَهْون من التبصر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015