وقام بالأمر الحاجب قرعويه غلام سيف الدولة من قبل ابن سيف الدولة، فبقي فيها إلى أن مضى غلمان سيف الدولة إلى ميّافارقين فاحضروا ابنه سعد الدولة أبا المعالي شريف بن علي بن عبد الله بن حمدان، وكان مع والدته أم الحسن ابنة أبي العلاء سعيد بن حمدان بها.
فدخل حلب يوم الاثنين لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة 356 وزيّنت له المدينة، وعقدت له القباب، وجلس على سرير أبيه، وجلس الحاجب قرعويه على كرسي، والمدبر لدولته وزيره أبو إسحاق محمد بن عبد الله بن شهرام كاتب أبيه.
وقبض أبو تغلب بن ناصر الدولة بن عبد الله بن حمدان على أبيه ناصر الدولة في هذه السنة، فامتعض حمدان بن ناصر الدولة لذلك وعصى على أخيه بالرقة والرحبة.
فسار أبو تغلب إليه إلى الرقة، وحصره فيها إلى أن صالحه على أن يقتصر على الرحبة، ويسلم إليه الرقة والرافقة وكتب لأبي تغلب توقيع بتقليده أعمالناصر الدولة وسيف الدولة من المطيع، وهو بالرقة.
وكان قرعويه قد جاء إلى خدمته، وهو يحاصر أخاه، فلما صلاح أخاه قدم حلب جريدة، وزار ابن عمه سعد الدولة، وعاد إلى الموصل.
وأقام سعد الدولة إلى أن تجدّد بينه وبين ابن عمه أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان وهو خاله وحشة، وكان بحمص، فتوجه سعد الدولة إليه فانحاز إلى صدد، ونزل سعد الدولة سلمية، وجمع بني كلاب وغيرهم.
وقدّم الحاجب قرعويه وبني كلاب على مقدّمته مع قطعة من غلمان أبيه، فتقدموا إلى صدد. فخرج إليهم أبو فراس وناوشهم، واستأمن أصحابه، واختلط أبو فراس بمن استأمن. فأمر قرعويه بعض غلمانه بالتركية بقتله، فضربه بلتّ مضرسٍ، فسقط ونزل فاحتز رأسه، وحمله إلى سعد الدولة.
وبقيت جثته مطروحة بالبرية، حتى كفّنه من الأعراب وذلك في شهر ربيع من سنة 357 ولطمت أمه سخية حتى قلعت عينها عليه، وكانت أم ولد.
وخرج في هذه السنة فاثور للروم في خمسة آلاف فارس وراجل، فصار إلى نواحي حلب، فواقعه قرعويه بعسكر حلب، فأسر قرعويه، ثم أفلت، وانهزم أصحابه، وأسر الروم جماعة من غلمان سيف الدولة.
ثم إن نقفور ملك الروم خرج إلى معرة النعمان ففتحها وخرب جامعها وأكثر دورها، وكذلك فعل بمعرة مصرين، وكلنه أمن أهلها من القتل، كانوا ألفاً ومائتي نفس، وأسرهم وسيّرهم إلى بلد الروم.
وسار إلى كفر طاب وشيزر، وأحرق جامعها. ثم إلى حماة ففعل كذلك، ثم إلى حمص، وأسر من كان صار إلى تلك الناحية من الجفلة.
ووصل إلى عرقة ففتحها وأسر أهلها، ثم نفذ إلى طرابلس وكان أهلها قد أحرقوا ربضها، فانصرف إلى جبلة ففتحها، ومنها إلى اللاذقية، فانحدر إليه أبو الحسين علي بن إبراهيم بن يوسف الفصيص. فوافقه على ذهب يدفع إليه منها، وانتسب له فعرف نقفور سلفه، وجعله سردغوس، وسلم أهل اللاذقية.
وانتهى إلى أنطاكية وفي يده من السبي مائة ألف رأس، ولم يكن يأخذ إلا الصبيان والصبايا والشباب، فأما الكهول والمشايخ والعجائز فمنهم من قتله ومنهم من تركه. وقيل: إنه فتح في هذه الخرجة ثمانية عشر منبراً. وأما القرى فلا يحصى عدد ما أخرب منها وأحرق. ونزل بالقرب من أنطاكية، فلم يقاتلهم، ولم يراسلهم بشي.
وبنى صن بغراس مقابل أنطاكية، ورتب فيه ميخائيل البرجي وأمر أصحاب الأطارف بطاعته.
وتحدث الناس أنه يريد أن ينازل أنطاكية طول الشتاء وينفذ إلى حلب أيضاً من ينازلها. فأشار الحاجب قرعويه على سعد الدولة أن يخرج من حلب، ولا يتحاصر فيها، فخرج منها إلى بالس، فسيّر إليه قرعويه، وقال له: امض إلى والدتك، فإن أهل حلب لا يريدونك، ولا يتركونك تعود إليهم.
وحالف قرعويه أهل حلب على سعد الدولة، وتقرّب إليهم بعمارة القلعة وتحصينها، وعمارة أسوار البلدة وتقويتها، فيئس سعد الدولة من حلب، ومضى أصحابه إلى أبي تغلب بن ناصر الدولة.
وقطع قرعويه الدعاء لسعد الدولة، فعمل على قصد حرّان والمقام بها، فمنعه أهلها، وراسلهم، وواعدهم بالجميل فلم يستجيبوا له، فسألهم أن يتزود منها يومين، فأذنوا له في ذلك. فمضى إلى والدته إلى ميّافارقين وحرّان شاغرة يدبرها أهلها، ويخطبون لأبي المعاني سعد الدولة.