واستولى بعد موت سيف الدولة في سنة 57 على كفر طاب، وشيزر، وحماة، وعرقة، وجبلة، ومعرة النعمان ومعرة مصرين، وتبزين، ثم فتح أنطاكية في سنة 358 على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
وصارت وقعاته للروم والنصارى كالنّزه والأعياد، وحكم يف البلاد حكم ملوك الروم. ولما رجع عن حلب سار إلى القسطنطينية مغذّاً، فدخلها في صفر سنة 52، فوجد رومانوس قد مات وجلس في الملك ولداه باسيل وقسطنطين وهما صبيان ووالدتهما تفانو تدبرهما.
فلما وصل نقفور سلّموا الأمر إليه فدبّرهما مدة ثم رأى ان استيلاءه على الملك أصوب، وأبلغ في الهيبة، فلبس الخف الأحمر، ودعا لنفسه بالملك. وتحدث مع البطريق في ذلك، فأشار عليه أن يتزوج أم الصبييين، وأن يكون مشاركاً لهما في الملك، فاتفقوا على ذلك، وألبسوه التاج.
ثم خافت على ولديها منه، فأعلمت الحيلة، ورتبت مع يانس بن شمشقيق أن تتزوج به، وبات نقفور في البلاط في موضعه الذي جرت عادته به. فلما ثقل نومه أدخلت يانس ومعه جماعة، وشكلت رجل نقفور. فلما دخل يانس قام نقفور من نومه ليأخذ السيف فلم يستطع فقتله. ولم يتزوج بها يانس خوفاً منها.
ووعود إلى بقية أخبار سيف الدولة: فإنه لما رحل الروم عن حلب، عاد إليها ودخلها في ذي الحجة سنة 354 وعمر ما خرب منها، وجدّد عمارة المسجد الجامع، وأقام سيف الدولة إلى سنة 354.
وسار إلى ديار بكر بالبطارقة الذين كانوا في أسره ليفادي بهم، فأخذهم نجا، وسار إلي ميّافارقين فاستولى عليها.
فلما وصل سيف الدولة قال: أروني نجا، فأروه إياه على برج، فوقف تحته، وقال: يا نجا فقال: لبيك يا مولانا فقال: انزل. فنزل في الوقت، وخدمه على رسمه وخلع عليه، وسلم إليه البلد والبطارقة. وقتل نجا، قتله غلام لسيف الدولة اسمه قبجاج بحضرته، وكان سيف الدولة عليلاً فأمر به فقتل في الحال.
وسار سيف الدولة بالبطارقة إلى الفداء، ففدى بهم أبا فراس ابن عمه وجماعة من أهله، وغلامه رقطاش ومن كان بقي شيوخ الحمصيين والحلبيين. ولما لم يبق معه من أسرى الروم اشترى بقية المسلمين من العدو، كل رجل باثنتين وسبعين ديناراً، حتى نفذ ما كان معه من المال. فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته الجوهر المعدومة المثل، وكاتبه أبا القاسم الحسين بن علي المغربي جد الوزير، وبقي في أيدي الروم إلى أن مات سيف الدوة، فحمل بقية المال وخلص ابن المغربي.
ولما توجه سيف الدولة إلى الفداء ولى في حلب غلامه وحاجبه قرعويه الحاجب في سنة 354، فخرج على أعمال سيف الدولة مروان العقيلي، وكان من مستأمنة القرامطة.
وكان مروان مع سيف الدولة حين توجه إلى آمد. وأقام سيف الدولة بكل ما يحتاج إليه عسكره، وأنفذ إليه ملك لروم هدية سنية، فقتل مروان القرمطي رجلاً من أصحاب الرسول، فتلافى سيف الدولة ذلك، وسيّر إلى ملك الروم هدية سنية، وأفرد دية المقتول، واعتذر أن مروان فعل ذلك على سكر، فرد الهدية والتمس إيفاد القاتل ليقيده به أو يصفح عنه، فلم يفعل، وانتقضت الهدنة، وكان ذلك في سنة 338. وولى بعد ذلك مروان السواحل.
فلما توجه سيف الدولة إلى الفداء سار إلى ناحية حلب، فانفذ إليه قرعويه غلاماً له اسمه بدر، فالتقيا غربي كفر طاب. فأخذه مروان أسيراً، وقتله صبراً، وكسر العسكر وملك حلب، وكتب إلى سيف الدولة بأنه من قبله، فسكن إلى ذلك، وأخذ مروان في ظلم الناس بحلب، ومصادرتهم. فلم تطل مدته، وتوفي سنة 354 من ضربة ضربه بها بدر حين التقيا بلتّ في وجهه. وعاد الحاجب قرعويه إلى خلافة سيف الدولة.
وكان بأنطاكية رجل يقال له الحسن بن الأهوازي يضمن المستغلات لسيف الدولة، فاجتمع برجل من وجوه أهل الثغر يقال له رشيق النسيمي وكان من القواد المقيمين بطرسوس فاندفع إلى أنطاكية حين آخذ الروم طرسوس، وتولى تدبير رشيق وأطعمه في ان سيف الدولة لا يعود إلى دمشق الشام. فطمع واتفق مع ملك الروم على أن يكون في حيزه، ويحمل إليه عن أنطاكية في كل سنة سبعمائة ألف درهم.