وولى أبو أحمد الموفق سيما الطويل، أحد قواد بني العباس ومواليهم حلب والعواصم، فابتنى بظاهر مدينة حلب داراً حسنة وعمل لها بستاناً وهو الذي يعرف الآن بستان الدار ظاهر باب أنطاكية وبهذه الدار سميت المحلة التي بباب أنطاكية الدارين إحدى الدارين هذه والدار الأخرى بناها قبله محمد ابن عبد الملك بن صالح فعرفت المحلة بالدارين لذلك. وإحدى الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق وحاضر السليمانية بها يعرف وهو حاضر حلب.
وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريباً من داره. وركب عليه باباً أخذه من قصور بعض الهاشميين بحلب يقال له: قصر البنات. وأظن القصر يعرف بأم ولد كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح اسمها بنات وهي أم ولده داود.
وسمى سيما الباب باب السلامة. وهو الباب الذي ذكره الواساني في قصيدته الميمية التي أولها:
يا ساكني حلب العوا ... صم جادها صوب الغمامه
وفي سيما الطويل يقول البحتري:
فردت إلى سيما الطويل أمورنا ... وسيما الرضا في كل أمر يحاوله
فعصى أحمد بن طولون على أبي أحمد الموفق وأظهر خلعه ونزل إلى الشام فانحاز سيما الطويل إلى أنطاكية فحصره أحمد بن طولون بها فألقت عليه امرأة حجراً وقيل قوفاً فقتله. وقيل بل قتله عسكر ابن طولون وكان ذلك في سنة 64 أو 265.
واستولى أحمد بن طولون على حلب والشام جميعه منابذاً لأبي أحمد الموفق، وكان قاضي حلب في أيامه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبو بكر القاضي العمري ودام على قضائها إلى أن مات أحمد.
وكان سيما ين صارت له حلب قد قصد جماعة من أشارف بني صالح بن علي بالأذى واستولى على أملاكهم وأودع بعضهم السجن. فلما ولي أحمد بن طولون قال صالح بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي الحلبي يمدحه ويشكره، ويذكر ظفره بسيما بقصيدة يقول فيها:
وقد لبستنا من قذى الجور حلةٌ ... ودار بنا كيد الأعادي فأحدقا
وحكم فينا عاندٌ فجرت له ... أفاعيل عرٍّ تترك اللبّ أخلقا
إلى أن أتيحت بابن طولون رحمةٌ ... أشار إلى معصوصبٍ فتفرّقا
فدتك بنو العباس من ناصرٍ لها ... أنار به قصد السبيل وأشرقا
بنيت لهم مجداً تليداً بناؤه ... فلم نر بنياناً أعزّ وأوثقا
منحتهم صفو الوداد ولم يكن ... سواك ليعطي الود صفواً مزوقاً
تجوّز منك العبد لما قصدته ... وأسكن أشراف الأقاوم مطبقا
بلا ترةٍ أسدوا إليه وإنّما ... يجازي الفتى يوماً على ما تحقّقا
وهيهات ما ينجيه لو أنّ دونه ... ثمانين سوراً في ثمانين خندقا
ثم إن أحمد بن طولون توجه إلى مصر، وولى مملوكه لؤلؤ سنة 267، فخرج بكار الصالحي من ولد عبد الملك بن صالح، بنواحي حلب بينها وبين سلمية، ودعا إلى أبي أحمد الموفق في سنة 68 فحاربه ابن العباس الكلابي فهزم الكلابي ووجه إليه لؤلؤ قائداً يقال له أبو ذر فرجع وليس معه كبير أحد. ثم إن لؤلؤ ظفر به فقبض عليه. ثم إن لؤلؤ الطولوني خالف مولاه أحمد بحلب، وعصى عليه في سنة 269، وكاتب أبا أحمد الموفق يف المسير إليه، فأجابه إلى ذلك. وقطع لؤلؤ الدعاة لمولاه أحمد في مدنه جميعها: حلب وقنسرين وحمص وديار مضر. وترك أهل الثغور الدعاء لابن طولون، وأخرجوا نائبه منها وهموا بقبضه فهرب. فنزل أحمد بن طولون من مصر في مائة ألف فقبض على حرم لؤلؤ، وباع ولده، وأخذ ما قدر عليه مما كان له، وهرب لؤلؤ منه ولحق بأبي أحمد طلحة بن المتوكل وهو على محاربة العلوي البصري عميد الزنج.
ولؤلؤ هو الذي قتل علوي البصرة في سنة 269. وبقي لؤلؤ ببغداد إلى أن قبض عليه الموفق وقيده في سنة 273. فوجد له أربع مائة ألف دينار، فذكر لؤلؤ الطولوني أنه لا يعرف لنفسه ذنباً إلا كثرة ماله وأثاثه.
لما هرب لؤلؤ من مولاه إلى العراق في جمادى الأولى من السنة، اجتاز ببالس وبها محمد بن العباس بن سعيد الكلابي أبو موسى، وأخوه سعيد فأسرهما.
ثم إن طولون وصل إلى الثغور فأغلقوها في وجهه فعاد إلى أنطاكية ومرض. فولى على حلب عبد الله بن الفتح وصعد إلى مصر مريضاً فمات في سنة 270.