أخصب بلاد الله مستبحرة العمران، مكتظة بالسكان، وكانت خليتها تعسل حينا بعد حين، وتقطع بعوثا اثر بعوث، وتتدفق سيول من الجيوش والمقاتلة، وتأتيهم الميرة من كل مكان لا تكاد تنتهي، وكان العرب الغرباء كنقطة مغمورة في بحار من الاعداء، نازحين عن بلادهم، منقطعين عن مركزهم، ولا يصلهم المدد الا بشق الأنفس وبعد شهور، ولا يجدون من الميرة الا ما يتغلبون عليه وينتزعون من أيدي أعدائهم انتزاعا فلو تطوعت جزيرة العرب كلها لقتال الروم والفرس، ونفر جميع أهاليها للجهاد في سبيل الله على أن ذلك من المستحيل - لما وقعوا من العالم النصراني والمجوسي - وهما أكثر من نصف الأرض المعمورة - بمكان، فكيف والذين تطوعوا للجهاد ما كانوا نصف عشر عمران الجزيرة؟!.

مسألة العتاد والسلاح

... أما العُدد والعتاد، فكان العرب أفقر فيها، وأقل منهم في العدد، فلم تكن هناك جنود مرتزقة، ولا جيوش منظمة تعبئها الحكومة وتسلحها من عندها، ثم تبعثها كاملة السلاح تامة الجهاز، إنما كان متطوعون، يجهزون أنفسهم وينفرون شوقا الى الجهاد في سبيل الله ورجاء ثوابه، ومنهم من لا يجد راحلة ويلتمس عند غيره فلا يجد، فيقعد متلهفا على ما يفوته من سعادة الجهاد في سبيل الله، وقد أنزل الله فيهم: {ولا على الذين اذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015