القلوب من جوانحها، وتعمش لها العيون، ولكنهم سرعان ما فطنوا أنهم ما وقفوا بين الفقر والغنى فحسب، بل أنهم خيروا بين أن يتنازلوا عن دعوتهم وامامتهم ومبادئهم، وينفضوا منها يدهم فلا يطمعوا فيها أبدا، وبين أن يحافظوا على روح هذه الدعوة النبوية وعلى سيرة رجالها اللائقة بخلفاء الأنبياء والمرسلين، وحملة الدعوة المؤمنين المخلصين.

كان لهم أن يؤسسوا ملكا عربيا عظيما على أنقاض الدولة الرومية والفارسية، وينعموا كما نعم ملوكها وأمراؤها من قبل، فقد ورثوا امبراطوريتين: الفارسية والرومية، وجمعوا بين موارد دولتين، فإذا كان كسرى يترفه بموارد فارس فقط، وإذا كان هرقل يبذخ بموارد الروم فقط، فهذا عمر بن الخطاب يمكنه أن يترفه بموارد الامبراطوريتين ويبذخ بذخا لم يبذخه أحدهما.

كان له ولأصحابه كل ذلك بكل سهولة، ولكنهم سمعوا القرآن يقول: {تلك الدار الآخرة نجعلها لذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83]. وكأنهم يسمعون نبيهم صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015