ابن عمر مرفوعا:"لعن الله الخمر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها" رواه أبوداود. ووسعه آخرون

حتى حرموا ما أحل الله، وتنزهو عما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد سأل خياطٌ بعضهم، فقال: أنا ممن يخيط للظلمة؛ فهل أُعّدُّ من أعوانهم؟

فقال: لا! أنت منهم، والذي يبيعك الإبرة من أعوانهم. ذكره الآلوسي في "روح المعاني".

فعليه كل ما كانت العادة فيه جارية أن العقلاء المحبون يجيزونه لمتبوعيهم

مما قد يُظن أنه ذريعة إلى معصيتهم فمثله في الشريعة مباح، وكل ما يمقتونه

من أسباب غضب أولئك المتبوعين فمنع مثله في الشريعة أولى , وإذا أخذت

بهذا الضابط تجلى لك الأمر، وكنت وسطاً بين الغالين والجافين بغير برهان.

ثم ما يقع ـ بعد ذلك ـ بين الواضح في حرمته، وبين الواضح في إباحته فهو من

مسائل الشبهات التي تُكره عند عامة أهل العلم، ويتحول حكمها إلى الإباحة

إذا وجدت حاجة إليها , ومع عدم الحاجة فإن هذا الموضع المشكل محلٌ للورع

والاحتياط عند ذوي الديانة والله أعلم.

حكم إعانة الكافر على المعصية:

قبل بيان حكم هذه المسألة لا بد من تحرير القول في مسألة وهي هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟

أقول لا شك أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو قول الجمهور، قال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: والكفار مخاطبون بالفروع -أي بفروع الإسلام- كالصلاة والزكاة والصوم ونحوها، عند الإمام أحمد والشافعي والأشعرية وأبي بكر الرازي والكرخي وظاهر مذهب مالك، فيما حكاه القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي، وذلك لورود الآيات الشاملة لهم، مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا). وقوله تعالى: (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ). وقوله عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ). وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ). وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). وقوله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ). وقوله أيضاً: (يَا أُولِي الْأَبْصَارِ). ا. هـ

والمقصود بخطابه بها، أنه يعاقب عليها في الآخرة، لا أنه يُطالب بفعلها في الدنيا.

قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فالكافر الأصلي مخاطب بها خطاب عقاب عليها في الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام، لا خطاب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه. ا. هـ

وقال في شرح الكوكب المنير: والفائدة أي: فائدة القول بأنهم مخاطبون بفروع الإسلام كثرة عقابهم في الآخرة، لا المطالبة بفعل الفروع في الدنيا، ولا قضاء ما فات منها. ا. هـ

ونقل ابن النجار عن النووي قوله: ومرادهم في كتب الأصول: أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعاً، لا على الكفر وحده. ا. هـ

ومما استدل به جمهور العلماء على ما ذهبوا إليه:

1 - قول الله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل:88].

قال ابن النجار: أي فوق عذاب الكفر، وذلك إنما هو على بقية عبادات الشرع. ا. هـ

2 - قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران:97].

وجه الدلالة أن لفظ (الناس) اسم جنس معرف بأل الاستغراقية، فيشمل جميع الناس، والكفار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015