وعلى كلٍّ فاعتراض المفسدة قد يمنع القول بندب المقاطعة في هذا القسم، والله تعالى أعلم.
وأنبّه هنا إلى أن من قاطع البضائع والسلع المنتجة من دول الكفار بنيّة حسنة كتقديم البديل الإسلامي أو زيادة في بغض الكفار فإنه إن شاء الله ممدوح على فعله مثاب.
لا شك أن الإعانة المباشرة على الإثم والعدوان محرمة بنص القرآن وكذلك الإعانة الغير مباشرة على الإثم والعدوان محرمة إذا كانت مقصودة والأعمال بالنيات قال تعالى "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وعلى هذا فالإعانة على الإثم والعدوان أربعة أقسام:
1 - مباشرة مقصودة كمن أعطى آخر خمراً بنية إعانته على شربها.
2 - مباشرة غير مقصودة ومنه بيع المحرمات التي ليس لها استعمال مباح إذا لم ينو إعانتهم على استعمالها المحرم.
3 - مقصودة غير مباشرة كمن أعطى آخر درهماً ليشتري به خمراً ومنه القتل بالتسبب.
4 - غير مباشرة ولا مقصودة كمن باع ما يستعمل في الحلال والحرام ولم ينو إعانة مستعمليه في الحرام، وكمن أعطى آخر درهماً لا ليشتري به خمراً فإن اشترى به خمراً وشربه فلا إثم على من أعطاه الدرهم طالما لم ينو به إعانته على المحرم، ومن هذا القسم الرابع البيع والشراء والإجارة من المشركين وفساق المسلمين والتصدق عليهم بالمال , وقد كان قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا " في دورته الخامسة التي انعقدت بالبحرين سنة 1428هـ تحريم الأنواع الثلاثة الأولى وإباحة القسم الرابع وهو ما ليس مباشراً ولا مقصودا.
وأما ضابط الإعانة على الإثم والعدوان الذي يحدد ما يكون إعانة مباشرة وما لا يكون فهو العادة الجارية الغالبة؛ فما يُعتبر فيها إعانة على المحرم مباشرة فهي الإعانة التي نُهينا عنها , وأصل ذلك أنه لا ضابط للإعانة المباشرة في اللغة، ولا في الشريعة؛ فوجب اعتبار العرف والخبرة.
فعليه فكل ما عدَّه الناس إعانة مباشرة على معصية من وجبت طاعته في الدنيا من
حاكم أو أب أو زوج، وكان سبباً لغضبه، ومستحقاً عندهم لعقوبته؛ فإن نظير
تلك الإعانة في معصية الله يُعد محرماً , وهذا كله يُبنى على قاعدة أخرى وهي
أن كل ما اُعتبر تعظيماً لمخلوق، ووفاء لحقه الواجب فالخالق أولى به , وقد دل
على ذلك قوله تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، وهذا يحصل بمطلق
ما يُعرف إعانة عند الناس , وقد تأيد هذا الأصل بالسنة حيث كان صلى الله علي
وسلم يتعامل مع اليهود والنصارى وبعض المشركين بيعا وشراء وكراء ورهناً،
ولم يُعتبر هذا من إعانتهم المباشرة , وحين غاب هذا الأصل عند البعض رأيت من
ضيّق ما يكون إعانة محرمة حتى أباح بيع العنب لمن يعلم أنه يتخذه خمراً، وكراء
الدار لمن يعلم أنه يتخذها في محرم أصالة، بحجة أن الأصل حل التصرف
بالمباح؛ حتى قال الثوري رحمه الله: بع الحلال من شئت. وهذا مشهور
مذهب أهل الكوفة؛ فقد أجاز أبو حنيفة رحمه الله بيع العنب وعصيره من خمار
، وعلل ذلك بأن المعصية لا تقوم بعينه، ولأن العصير يصلح لأشياء كلها جائز شرعاً فيكون الفساد إلى اختيار المشتري، وليس هو من فعل البائع ولا من قصده.
وخالفه صاحباه في ذلك؛ فقالا بالمنع فيه , وكيف يصح هذا وقد ثبت في حديث