وعلى هذا نقول: إنّه يخفف في أمور الضرورات والحاجيات العامة ويراعى فيها ما لا يراعى في غيرها.

الرابعة: سد الذرائع.

سد الذرائع من الأدلة المستعملة عند أهل العلم, والمراد بها منع الجائز لئلا يُتوصّل به إلى الممنوع.

ونتيجة إعمالها: تحريم أمرٍ مباح لما يفضي إليه من مفسدة.

وأداء الوسيلة إلى المفسدة: إما أن يكون قطعياً أو ظنيًّا أو نادراً.

فإن كان قطعياً: فقد اتفق العلماء على سدّه والمنع منه سواء سُمّي سَدَّ ذريعة أو لا.

وإن كان نادراً فقد اتفق العلماء أيضاً على عدم المنع منه، وأنّه على أصل المشروعيّة , وأما إن كان ظنياً فقد اختلف أهل العلم فيه , ولعل الصحيح في هذا القسم الأخير أنه يُنظر فيه إلى المصلحة والمفسدة.

الخامسة: قاعدة المصالح والمفاسد.

ولا شك أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.

ونظرنا في المصالح والمفاسد ينحصر في ملحظين:

الأول: أن الفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة، فإنه يُنْهى عنه؛ وذلك لأن الشريعة مبنيّة على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى مفسدة؛ ولذا سدّت ذرائع مفضية إلى الإضرار والفساد في شواهد كثيرة من الكتاب والسنة.

الثاني: أن المصالح والمفاسد يكفي فيها الظن الغالب؛ وذلك أن المصالح والمفاسد لا يُعرف مقدارها إلا بالتقريب؛ أما تحديدها بدقة فغير مُمكن غالباً.

السادسة: الإضرار الاقتصادي طريق من طرق الجهاد المشروع.

السابعة: ارتباط المقاطعة بإذن ولي الأمر: لا شك أن من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في المعروف.

وأعمال الرعيّة منها ما يشترط لفعله إذن الإمام، ومنها ما لا يشترط له إذنه ,

والمقاطعة بشكلها المعاصر مما لا يظهر لي ارتباطه بإذن ولي الأمر.

ثالثاً: حكم المقاطعة الاقتصادية:

لا شك أن التعامل التجاري والاقتصادي الحاصل في هذا الزمن يباين التعاملات التجارية في الأزمان السابقة؛ فهو الآن أوسع وأشمل وأيسر، ولا شك أن ارتباط الاقتصاد بالسياسة وتأثيره على التوجهات السياسية والنزاعات الحزبيّة صار أكبر وأقوى.

ولذا فإن بحث هذه المسألة بالتوسع في النظر فيها هو من خصائص هذا العصر.

والذي يظهر أن حكم المقاطعة يختلف باختلاف الأحوال، وإليك التفصيل:

الأول: إذا أمر بها الإمام.

إذا أمر الإمام بمقاطعة سلعة معينة أو بضائع دولة من دول الكفر فإنه يجب على رعيته امتثال أمره, وليس للإمام أن يأمر بذلك إلا أن يرى في ذلك مصلحة عامّة لا تُقابلها مفسدة أو ضرر أرجح منه؛ وذلك أن الأصل في تصرّفات الولاة النافذة على الرعية الملزمة لها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015