الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل)) متفق على صحته، فلم يخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين البقاء على دينهم الباطل، ولم يطلب منهم الجزية، فدل ذلك أن الواجب إكراه الكفار على الإسلام، حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب والمجوس؛ لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وهذا من محاسن الإسلام، فإنه جاء بإنقاذ الكفرة من أسباب هلاكهم وذلهم وهوانهم وعذابهم في الدنيا والآخرة إلى أسباب النجاة، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب، فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل , وأما لو أسلم المُكره على الإسلام في الظاهر فعلينا قبول ذلك منه، وإن كان لم يأت بالواجب عليه من الاستسلام ظاهرا وباطنا وحسابه على الله وهو يجازيه على سريرته كما قال شيخ الإسلام: فالإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له ظاهرا وباطنا، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن أسلم بظاهره دون باطنه فهو منافق يقبل ظاهره فإنه لم يؤمر أن يشق عن قلوب الناس. اه، وخُصّ أهل الكتاب من وجوب الإكراه على الإسلام بقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: 29] والمجوس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فمن عداهم يبقى على مقتضى العموم. وروى البخاري أن عمر لم يقبل الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وهذا يدل على أن الصحابة توقفوا في أخذ الجزية من المجوس حتى عرفوا المخصص لهم من بين سائر الكفار، فيدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يدل على اختصاص أهل الكتاب ببذل الجزية، إذ لو كان عاماً في جميع الكفار لم يختص أهل الكتاب بإضافتها إليهم.
وأما المذهب الآخر القائل بأن الجزية تقبل من جميع الكفار واستثنى بعضهم عبدة الأوثان من العرب فهو قول الجمهور وقالوا بأن قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ليس فيه دليل بتخصيص أهل الكتاب بالجزية بل يشمل كل الكفار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر , وهم وثنيون وليسوا أهل كتاب، وقد ألحق الجمهور بقية الكفار بالمجوس، وخالفهم الشافعي وبعض أهل العلم، ويدل لرجحان قول الجمهور حديث النسائي: فإذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم أدعهم إلى أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم أبوا أن يتحولوا إلى دار المهاجرين فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء ولا