تحرم محبته وموادته قولاً واحداً بل يجب بغضه وإظهار العداوة له ولا تُخفى عداوته إلا لمصلحة شرعية راجحة.
وعلى هذا يتبين لنا أن إظهار العداوة والبغضاء للكفار مشروعة في حق من بلغهم دين الإسلام الصحيح على وجه تقوم به الحجة، بحيث يفهمونه، ويدركون أصول عقائده وشرائعه، فلم يقبلوا به، وأبوا الدخول فيه، فهؤلاء جزاؤهم المعاداة في الله وإظهار البغض لهم إذا اقتضت الحكمة والمصلحة ذلك كأن يُرجي من وراء ذلك حملهم على الإسلام وإلا فالأولى معاملتهم بالحسنى والبر والإقساط من غير اتخاذهم أولياء, ودليل مشروعية إظهار العداوة والبغض للكفار المُسالمين قوله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) ودليل برهم والإحسان إليهم (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وأما من لم يبلغهم دين الإسلام ولم يسمعوا به أبداً، أو بلغهم على وجه لا تقوم به الحجة عليهم كأنه يبلغهم مشوها، ولم يمكنهم التعرف على الحق والبحث عنه، فهؤلاء ينبغي معاملتهم بالحسنى ودعوتهم للإسلام باللين واللطف وإن قيل يجب فلا يبعد.
مسألة علاقة المسلمين بغيرهم أثارت الكثير من الجدل بين فقهاء المسلمين وقد
انقسم الرأي إلى فريقين:
الرأي الأول: أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو الحرب وبهذا قال كثير من علماء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة , واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فأما الأدلة من القرآن الكريم: فقوله سبحانه وتعالى" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"، وقوله سبحانه وتعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ " وكذلك قوله تعالى " وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ "، فهذه الآيات وما شابهها مما لم يُذكر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقاً دون قيد أو شرط.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري" ومعنى هذا الحديث أن للسيف المقام الأول في تقرير دعوة التوحيد.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أُمِر ت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ َلا إَِلهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصََّلاَة وَيُؤُْتوا الزَّكاَة فإذا َفعَُلوا ذلك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَاَلهُمْ إلا ِبحَقِّ الْإِسَْلاِم وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ "
وهذا يدل على أن الأمر بقتال الناس هو من أجل الدخول في الإسلام.
الرأي الثاني: أن أصل علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم , واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة من الكتاب والسنة الشريفة، أما من القرآن الكريم فقوله سبحانه وتعالى " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " فالآية الكريمة تحث المسلمين على قبول السلم من الكفار حين اللجوء إليه.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى " فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ