وأنَّى نشك في صحّة هذا الإجماع، وفي أمّ القرآن: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7] وقد أجمع المفسرون أن: المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى (?) .
المبحث الثالث
علاقته بأصل الإيمان إن كُلّ مبدأ ومذهب يعتقده جماعةٌ من الناس، ويخالفهم فيه آخرون، لا بُدَّ أن يُحْدِث اجتماعُ تلك الجماعة عليه بينهم تعاوناً وتناصراً فيه، ولا بُدَّ أن يُحدِثَ عند مخالفيهم محاولاتٍ في تغيير مبادئ تلك الجماعة ومذاهبها. وهذا سيؤدّي إلى التصادم وإلى المعاداة بينهما، واللذان يختلفان في حِدّتهما وضعفهما بحسب مقدار التبايُنِ بين المبدأين والمذهبين، وبحسب سعة وشمول كُلِّ مبدأٍ: لمناحي المعتقد القلبي، وللواقع العملي، ولوجوه الحياة المتعدّدة.
هذه سُنّةٌ كونيّةٌ مشاهدةٌ، لا تحتاج إلى استدلال، بغير شاهد الوُجُود المرئيّ المعلوم.
ولا يقتصر هذا الصِّراع بين الأديان فقط، بل بين كل مبدأين أو مذهبين متعارضين. فهذا في العصر الحديث الصِّراعُ الذي كان محتدماً بين الاشتراكيّة والرأس ماليّة، ولم يزل. وهذا الصراع بين الديمقراطيّة والدكتاتوريّة وأنظمة الحكم الأخرى. بل هذا الصِّراع في الأنظمة الديمقراطية بين الأحزاب المختلفة.
إن اعتقاد المرء أنه على حقّ في مسألةٍ ما، وأن من خالفه على باطل، واعتقادَ المخالِف في نفسه أنه هو الذي على الحق، لا بُدَّ أن يُحدث بين الاثنين تفاصُلاً وعدمَ التقاء، بقدر أهميّة المسألة المختَلفِ فيها. ولن يزول هذا التَّفَاصُل إلا بهلاك المختلفَيْنِ، أو أحدهما، أو بأن يتابع أحدهما الآخر ويترك ما كان عليه.