واعترض عليه بأن الوصف المشتمل على الحكمة إنما جاز التعليل به لاشتماله على الحكمة، ولأنه ظاهر منضبط، والحكمة لما كانت خفية غير منضبطة لم ينط بها الحكم كالمشقة في السفر، فإن لها مراتب لا تحصى، وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال اختلافاً عظيماً، وليست كل مرتبة منها مناطاً للحكم، ولا يمكن تعيين مراتب منها إذ لا طريق إلى تمييزها بذاتها وضبطها في نفسها، وحين رأينا الشارع أناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط علمنا أو المعتبر حينئذ عند الشارع إنما هو المظنة، وإن تخلفت تلك الحكمة كما في سفر الملك المرفه، ولو كانت الحكمة هي المعتبر لم يعتبر الشارع المظان عند خلوها عن الحكمة، إذ لا عبرة بالمظنة في معارضة المئنة، واللازم منتف لأن الشارع قد اعتبرها حيث أناط الحكم بالسفر، وإن خلا عن الحكمة كما مر في سفر الملك المرفه، ولم ينطها بالحضر وإن اشتمل على المشقة كما في أرباب الصنائع الشاقة في البلاد الحارة في شدة القيظ كالحمالين مثلاً1، وسيأتي لهذا زيادة بيان إن شاء الله تعالى في الكلام على أدلة أهل التفصيل الآتية:
أدلة أهل المذهب الثاني:
استدل أهل المذهب الثاني على ما ذهبوا إليه من منع التعليل بالحكم مطلقاً بما يأتي:
الأول: قالوا: لو صح تعليل الحكم بالحكمة، لما صح تعليله بالوصف، وتعليل الحكم بالوصف جائز اتفاقاً، فالتعليل بالحكمة غير جائز، لأن كل ما يقدح في استناد الحكم إلى الحكمة يقدح في استناده إلى الوصف، إذ القادح في الأصل قادح في الفرع، وقد يوجد ما يقدح في الوصف، ولا يكون قادحاً في الحكمة، لأن القادح في الفرع قد لا يكون قادحاً في الأصل، فإسناد الحكم إلى الوصف مع إمكان إسناده إلى الحكمة تكثير من غير حاجة إليه، والتكثير قد يؤدي إلى الغلط، وهو لا يجوز.