المبحث الثالث التعليل بالحكمة المجردة عن الضابط

تقدم أن الأصوليين اتفقوا على أن الوصف الظاهر المنضبط المشتمل على الحكمة يصح تعليل الحكم به، مثل تعليل وجوب القصاص في النفس بالقتل العمد العدوان، ووجب الحد بالزنا، وقصر الصلاة بالسفر.

واختلفوا في التعليل بنفس الحكمة المقصودة من شرع الحكم كالرضى في البيع والمشقة في السفر، وحفظ النفس وغيرها على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: يجوز التعليل بالحكمة مطلقاً، سواء كانت منضبطة، أو غير منضبطة، ظاهرة كانت أم خفية، واختار هذا القول الإمام الفخر الرازي والبيضاوي.

قال الأسنوي: "وكلام ابن الحاجب يقتضي رجحانه أيضاً1.

ولعل الأسنوي أخذ ذلك من قول ابن الحاجب "ومنها أن تكون وصفاً ضابطاً لحكمة، لا حكمة مجردة لخفائها أو لعدم انضباطها"2.

لكن يعكر هذا ما صرح به ابن الحاجب بعده حيث قال: "ولو أمكن اعتبارها جاز على الأصح".

قال العضد مبيناً لما ذكره ابن الحاجب "فلو وجدت حكمة مجردة، وكانت ظاهرة بنفسها منضبطة بحيث يمكن اعتبارها ومعرفتها جاز اعتبارها وربط الحكم بها على الأصح، لأنا نعلم قطعاً أنها هي المقصود للشارع، واعتبر المظنة لأجلها، لمانع خفائها واضطرابها، فإذا زال المانع من اعتبارها جاز اعتبارها قطعاً"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015