الفصل الثالث: في شروط العلة
تمهيد
من المعلوم أن الأصل الذي ورد النص بحكمه قد يكون مشتملاً على أوصاف متعددة، وليس كل وصف في الأصل يصلح أن يكون علة لحكمه، بل لا بد من أن تتوفر في الوصف الذي يعلل به عدة شروط.
وهذه الشروط إنما استمدها الأصوليون من استقراء العلل المنصوص عليها، ومن مقصود التعليل، وهو تعدية حكم الأصل إلى الفرع.
وهذه الشروط منها ما اتفق عليه الأصوليون، ومنها ما اختلفوا فيه، كما اختلفت مناهجهم في محل ذكر هذه الشروط، إذ منهم من ذكرها بعد القوادح، كالإمام الفخر الرازي، والبيضاوي، وغيرهما، ومنهم من ذكرها بعد تعريف العلة مباشرة، وقبل المسالك كابن السبكي، وابن الحاجب والآمدي.
وقد اخترت أن أسلك الطريقة الأخيرة، لما فيها من تتمة الفائدة، لأنني لو سلكت الطريقة الأولى، لما أمكنني التعرض لذكر هذه الشروط، لخروجها حينئذ عن موضوعي.
وحيث أن تعرضي لهذه الشروط إنما هو من باب التمهيد للموضوع، لذا فإنني لن أتقصى كل ما قيل فيها بل سأقتصر على ما أرى أنه لا بد منه، والله أسأل العون والتوفيق.
الشروط المتفق عليها هي:
الأول: أن تكون العلة وصفاً ظاهراً متميزاً عن غيره، لأن العلة هي المعرف للحكم في الفرع، فلا بد أن تكون أمراً ظاهراً، يدرك في الأصل، ويدرك في