الأحكام عندهم تكون تابعة لما أدركه العقل من ذلك، على معنى أن العقل يحكم بوجوب القصاص بمجرد القتل العمد العدوان من غير توقف على الشارع، كما أن العلل العقلية عندهم مؤثرة بذاتها كالنار، فإنها مؤثرة بطبعها في الإحراق، بقوة أودعها الله فيها، فالحسن ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل، والشرع إنما جاء مؤكداً لما أدركه العقل، وكاشفاً لما خفي عليه منهما1.

وقد أبطل أهل السنة هذا المذهب بما يأتي:

الأول: أنه لو حسن العقل أو قبح لذاته، لما اختلف الفعل الواحد حسناً وقبحاً، لكنه اختلف، فلا يكون كل منهما ذاتياً، لأن بالذات لا يختلف، وإلا لزم اجتماع النقيضين.

بيان الملازمة هو أن الذاتي للشيء لا ينفك عنه، فيستلزم ذلك أن لا يختلف، لأن الاختلاف يؤدي إلى الانفكاك.

وبيان دفع التالي هو أن الفعل الواحد يحسن تارة، ويقبح أخرى، فالقتل يحسن حداً، ويقبح ظلماً، والصدق يحسن إنقاذاً لنبي أو مظلوم، ويقبح إهلاكاً لنبي أو مظلوم.

وهذا يبطل القول بالحسن والقبح العقليين، وبالتالي يبطل التعريف المبني عليهما2.

غير أن ما ذكر يرد عليه أن الكذب لإنقاذ المظلوم ما انفك عن القبح، وما اختلف، ولكنه عندما تعين اجتمع قبيحان: الكذب، وترك إنقاذ البريء المظلوم، فكان الثاني أكثر قبحاً من الأول، فارتكب أقل الأمرين قبحاً، وأيضاً لو قيل: أنه صار حسناً، فحسنه لغيره، وهو الإنقاذ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015