فكلامه هنا رحمه الله صريح في أنها في محل الاجتهاد مع أنه صرح في غير هذا الموضع بأن المصلحة الغريبة التي لا تلائم ولا يشهد لها أصل معين مردودة من غير معرفة مخالف1.

أما التي في محل الاجتهاد، فهي ملائمة لجنس تصرفات الشرع، وهذا تصريح منه بأن عدم أخذه بها، لأنه إذا كانت مصلحة ذي المال في ضرب المتهم رجاء أن يكون هو الجاني، فيقر، فمصلحة المأخوذ في الكف عنه، وترك الأضرار به، وليس أحدهما برعاية مصلحته أولى من الآخر، فوجب الوقوف على جادة الشرع في أن لا عقوبة إلا بجناية، ولا تظهر الجناية في حقنا إلا ببينة".

فأخذ المالكية إذاً بهذه المصلحة، أخذ بمصلحة ملائمة لتصرفات الشارع بشهادة نصوص الشرع وقواعده العامة لها، وليس الأخذ بها أخذ بالرأي المجرد عن الشرع كما ادعاه خصومهم.

هذا على تسليم أن المالكية كان اعتمادهم في الأخذ بهذه المسألة بناء على المصلحة المرسلة، أما إذا كان اعتمادهم فيما ذهبوا إليه على ما ورد من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ضرب وسجن المتهم، فلا يرد عليهم ما ذكره خصومهم؛ لأن المسألة حينئذ يكون الأخذ بها من باب الأخذ بما دل عليه الدليل، إن صحت تلك الآثار.

فمن ذلك ما رواه أبو داود2 في سننه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلاً في تهمة3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015