الثاني: أنه لا تشترط المناسبة واستدل له "بأنه لو قال القائل: "أكرم الجاهل وأهن العالم" لكان ذلك قبيحاً عرفاً، وليس قبحه لمجرد الأمر بإكرام الجاهل وإهانة العالم، فإن الأمر بإكرام الجاهل قد يحسن لدينه أو شجاعته أو نسبه، أو سوابق نعمه، وكذلك الأمر بإهانة العالم قد يحسن أيضاً لفسقه أو بدعته، أو سوء خلقه.
وإذا لم يكن القبح لمجرد الأمر فهو لسبق التعليل "بالترتيب" أي لكونه يسبق إلى الفهم "في العرف" تعليل هذا الحكم بهذا الوصف، لأن الأصل عدم علة أخرى، وإذا سبق إلى الأفهام التعليل مع عدم المناسبة لزم أن يكون حقيقة"1.
قال الأسنوي: "واعترض الخصم بأن الدلالة الترتيب الذي لا يناسب على العلية في هذه الصورة، لا يستلزم دلالته عليها في جميع الصول، لأن المثال الجزئي لا يصحح القاعدة الكلية لجواز اختلاف الجزئيات في الأحكام.
وأجاب المصنف "يعني البيضاوي" بأن هذا الترتيب لو لم يدل على العلية في باقي الصور، لكان مشتركاً لكونه يدل على العلية تارة وعلى عدمها أخرى.
فإن قيل: لا نسلم دلالته على عدم العلية "في الصور الأخرى" إذ لا يلزم من عدم الدلالة وجود الدلالة على العدم، "لأن عدم العلم بالشيء لا يدل على العلم بعدمه"، فالجواب أن هذا الترتيب قد وقع على مقتضى العلة فلا بد أن يدل على شيء فمدلوله في غير هذه الصور، إن كان هو التعليل فلا كلام، وإن كان غيره، فقد دل على عدم العلية.
ولقائل يقول: "الترتيب – أي اللفظ الدال - فرد من أفراد المركبات عند الإمام والمصنف، و"المركبات" غير موصوفة، كما تقدم غير مرة، ووصف اللفظ بالاشتراك والمجاز فرع عن وضعه"2.
والمراد بالاشتراك هنا هو الدلالة على العلية تارة، وعلى عدمها تارة أخرى فاندفع