الثاني: أنه لو امتنع كون كل علة مستقلة، لامتنع اجتماع الأدلة السمعية على مدلول واحد، وذلك لأن العلل الشرعية أدلة، واللازم منتف، للاتفاق على اجتماع الأدلة الشرعية على مدلول واحد1.
والذي يترجح عندي هو ما ذهب إليه الجمهور من جواز تعدد العلل الشرعية لحكم واحد، وذلك لوروده كما في البول والغائط والمسّ، واللمس، وكما في وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وانقطاع دم الحيض، لاجتماع هذه العلل على حكم واحد كما هو واضح، مع أن كل واحدة منها توجب الحكم بانفرادها، وذلك دليل الاستقلال، ولأنه لو نوى رفع أحد هذه الأحداث، لارتفع الباقي، كما في اجتماع الأدلة السمعية على المدلول الواحد مع حصوله بأحدها عند تخلف غيره.
وما استدل به الآمدي وغيره على أن الحكم متعدد شخصاً، وإن اتحد نوعاً هو ما أوردوه على مثال إباحة القتل بالردة عن الإسلام، والقتل العمد العدوان، والزنا بعد الإحصان - أعاذنا الله منها - من أنه لا يلزم من انتفاء إباحة القتل بالعود عن الردة إلى الإسلام، انتفاء الإباحة في الباقي وبالعكس، وهو ظاهر، لأن الإباحة في جهة القتل العمد العدوان حق للآدمي بجهة الخلوص، وفي الباقي حق لله تعالى الخ ما تقدم تقريره، والجواب عنه مما جعلوه دليلاً على تعدد الحكم.
فإن ما أوردوه على هذا المثال، لا يكفي دليلاً على تعدد الحكم، وإن سلم لهم، فإنه لا يرد على ما ذكرت من الأمثلة التي تعددت العلل فيها لحكم واحد.
ويدل على هذا ما ذكره الغزالي ونصه: قال: "اختلفوا في تعليل الحكم بعلتين، والصحيح عندنا جوازه، لأن العلة الشرعية علامة، ولا يمتنع نصب علامتين على شيء واحد، وإنما يمتنع هذا في العلل العقلية، ودليل الجواز