تتمة: ربما يتفق عروض ما يشبه الاختلاط ثم يحصل الشفاء منه كما حكاه أبو داود في "سننه" عن معمر بن راشد اليمني أنه قال: "احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي قال: وكان قد احتجم على هامته", وبلغني أن البرهان الحلبي عرض له الفالج1 فأنسي كل شيء حتى الفاتحة ثم عوفي، وكان يحكي عن نفسه أنه صار يتراجع إليه محفوظه الأول كالطفل شيئا فشيئا.

"فائدة": مما ينبغي أن يعلم أن ما كان من هذا القبيل من الرواية عمن اختلط في الصحيحين أو في أحدهما ونحوهما من كتب الحديث التي التزم فيها مؤلفوها الصحة فهو محمول أنه مما عرف روايته قبل الاختلاط والله أعلم2.

"هل من مدكر؟ ":

"وبعد" هذا التطواف الطويل يتبين لنا أن الأئمة المحدثين والرواة الثقات الضابطين بلغ من علمهم بالأحاديث والسنن والرواة أن هذا الحديث مما روي عمن روى عنه وهو صحيح معافى، وأن ذاك الحديث مما روي عنه وقد اختلط، أو مرض وأن هذا الراوي قد روى عنه في حال الصحة والعافية فلان وفلان، وأن ذاك الراوي قد روى عنه في حال مرضه أو تخليطه فلان وفلان, وهذا أمر يكاد ينفرد به العلماء المحدثون، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على التبحر وسعة العلم بالأحاديث والرواة، وأنهم أحاطوا بالعلم بالرواة وأحوالهم وتاريخ ولادتهم ووفياتهم، وكنت أحب من المستشرقين الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من العلم أن يعتبروا بهذا ويتفكروا ثم يتفكروا، ولو أنهم فعلوا لعرفوا للسنة وتاريخها ورواتها لجلالتها وجلالتهم، ولما افتروا على السنن والأحاديث ورواتها وأئمتها هذه الافتراءات التي سودوا بها كتبهم ولكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015