ومتابعيهم من الكتاب المسلمين في العصر الأخير أن يتأملوا في هذا الباب وغيره من الأبواب التي تنم عن علم عزيز دقيق في التفرقة بين أسماء الرواة وأنسابهم -وما أكثرهم- هذه الفروق الدقيقة العجيبة التي قد تخفى على كثيرين من الأذكياء والألباء، لأنها لا تدرك بالعقل، ولا بالسابق واللاحق، وإنما تدرك بالمداومة على لقاء الشيوخ، والحفظ، ومداومة البحث والدرس والسهر، ومجافاة المضاجع، ولزوم المحابر والدفاتر.
كنت أحب منهم أن يقفوا من أئمة الحديث وحفاظه، ورواته، ونقاده موقف المنصف لا موقف المتحامل، والمتعصب عليهم، وأن لا يكون موقفهم موقف المقلد لصنم المستشرقين "جولدتسيهر"، ومما نذكره لبعض المستشرقين المتأخرين عنه أنهم قد تخلصوا من ربقة التقليد لجولدتسيهر، فجاءت أحكامهم أقرب إلى الحق والصواب في هذا الباب.
ومما يذكر للشيخ الإمام أبي عمرو بن الصلاح بالإكبار، والإعظام قوله: "وأنا في بعض ما ذكرت مقلد كتاب القاضي عياض" وهكذا فليكن العلماء الأصلاء يسندون الفضل لذويه، وهي -لعمر الحق- خصيصة من خصائص علمائنا الأوائل على سعة علمهم وجلالة أقدارهم، وما أجدر طلاب العلم وأهله أن يقتدوا بأسلافنا الأفاضل في هذا إن بعض الطلاب الذين يتقدمون اليوم بأطروحاتهم لنيل الإجازات التخصيصية يحاولون إخفاء إسناد الأفكار لذويها، ويزعمون أن ما يذكرون من بنات أفكارهم ومن ثمرات قراءاتهم وبحثهم، وهذا ما لا ينبغي أن يكون قط، وإثبات الشخصية العلمية المتميزة لا تكون بسرقة الأفكار، ولا بجحد فضل ذوي الفضل، وليكن لهم في أسلافنا العلماء خير قدوة.