ما إن توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاوز الرفيق الأعلى حتى كثر عدد من كان يكتب من الصحابة, إذ لم يعد هناك تحرج من الكتابة, لأن معظم الاعتبارات التي ذكرناها في توجيه النهي عن الكتابة لم تعد موجودة, فالقرآن كله قد كتب وحفظه الجم الغفير من الصحابة. وانقطع الوحي بوفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أن الأمية زالت عن كثير من الصحابة, لدعوة الإسلام إلى إزالة الأمية والتعلم.
وقد كان من الأعمال البارعة الرشيدة ما وضعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أساس صالح عقب غزوة بدر, فقد قبل ممن لا يقدر على دفع الفداء من الأسارى وكان يعرف القراءة والكتابة أن يعلم عشرة من صبيان المدينة المسلمين القراءة والكتابة1.
وقد كان من الحوافز على الكتابة ما قام به الخليفة الأول أبو بكر الصديق من كتابة الأحاديث والسنن المتعلقة بالزكاة والصدقات لعماله. روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس -رضي الله عنه- كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين2: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر بها رسوله, فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها, ومن سئل فوقها فلا يعط ... " الحديث3, وفي هذه الكتب بين أنصبة زكاة الإبل والبقر والغنم.