وعلم، وأدب، وبلاغة وبيان فكانت كالحديقة المزهرة المثمرة الغناء التي يتنتقل فيها الناظر من روض إلى روض، ومن ثمار إلى ثمار، ومن زهور إلى زهور حتى غدت متع القلوب ومشتهى النفوس، وانشراح الصدور، وقرات العيون.
إن تأليفي لهذا الكتاب يرجع إلى نحو ثلث قرن أو يزيد، حينما كنت أقوم بتدريس "الحديث الشريف" و"علومه" بكلية أصول الدين, إحدى كليات الجامع الأزهر العتيق، المعمور بالعلم والعلماء، أيام أن كان الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده الدينية العلمية -هو الأزهر- والعلم هو العلم، وطلاب الأزهر -هم الطلاب- وحرصهم على العلم هو الحرص.
وقد كان في أول الأمر مباحث مكتوبة بخط يدي أمليها على الطلاب شيئًا فشيئًا، ثم بدا لي -ونعم ما بدا- أن أجمع هذه البحوث، ولا زلت أهذبها وأنقحها، وأقدم فيها وأؤخر، وأزيد فيها وأعيد حتى جاءت على هذا الوضع الحسن المستطاب.
ومن فضل الله على أني لا أسطر كلمة في العلم، ولا أكتب بحثًا، ولا أحقق مسألة من مسائل إلا وأحتفظ بما أكتبه عندي في حرز مصون، وما احتفظت بشيء مما كتبت إلا وانتفعت به غاية الانتفاع، حتى البحوث التي كتبتها في زمن طلب العلم.
ولعلكم تعجبون إذا قلت لكم -صادقًا- أني ما فرطت في كتاب ولا في "دفتر"1 من الدفاتر التي كانت عندي من عهد الصبا والطلب، وبعضها موجود في "مكتبتي" بقريتنا إلى يومنا هذا.