"الحفظ والفقه للأحاديث":

ومما ينبغي أن يعلم أن أهل العصور الأولى من المحدثين كانوا يجمعون إلى الحفظ الفقاهة والفهم، والعلم بالعلل والرجال، والناسخ والمنوسخ وأن منهم من مزج الحديث بالفقه والاجتهاد في الأحكام. كما صنع البخاري في تراجمه وتبويب كتابه. والإمام مالك في موطئه. والترمذي في سننه. ومنهم من لم يصنع ذلك اقتصارا على المتون والأسانيد لا عجزا ولا قصورا في الفقه والفهم بل اقتصارا على الجمع، وذلك كما صنع الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم كثيرون.

وأما ما يتقول به بعض المغرضين على أئمة الحديث. وأنهم كانوا زوامل أسفار لا يعلمون ما يحملون, فهذا الوصف أبعد ما يكون عن أهل القرون الأولى الذين جمعوا الأحاديث والسنة ودونوها في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع, وهذا النوع من المحدثين الذين جعلوا همهم الحفظ فقط إنما كان في العصور المتأخرة ممن لا عناية لهم بالفقه والدراية والتحقيق وهم الذين عناهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر" والتاج السبكي في بعض كتبه1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015