وفي الحديث الآخر: «مّنْ بدا جفا» (?) . بالدّال المهملة، خرج إلى البادية، أي: من سكن البادية غلظ طبعه، لقلّة مخالطة النَّاس.
والجفاء غلظ الطّبع.
وفي صفته، صلى الله عليه وسلم ليس بالجافي المهين، أي ليس بالغليظ الخلقة، ولا الطّبع (?) .
وقال - تعالى -: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} (الرعد: من الآية 17) . قال الطبري: وأمَّا الجفاء، فإني حدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنَّى، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: يُقال: قد أجفأت القدور، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها، أو سكنت فلا يبقى منه شيء.
وقد زعم بعض أهل العربيَّة من أهل البصرة أن معنى قوله: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} (الرعد: من الآية 17) تنشفه الأرض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى: في معنى نشف (?) .
وقال - تعالى -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (السجدة: من الآية 16) . قال الطبري: تتنحَّى جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، الذين وصفت صفتهم، وترتفع عن مضاجعهم التي يَضْطَجعون لمنامهم، ولا ينامون.
وتتجافى: تتفاعل من الجفاء، والجفاء: النبو.
وإنَّما وصفهم - تعالى ذكره - بتجافي جُنوبهم عن المضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلا بالصّلاة.