المبحث الرابع الصلة بين الوسطية والصراط المستقيم

مما تقدم يتضح أن معنى الصراط المستقيم يدل على الوسطية في مفهومها الشرعي الاصطلاحي الذي سبق تقريره، وبخاصة أن ما جعلته لازما لمفهوم الوسطية وإطلاقها قد تحقق في معنى الصراط المستقيم، فالخيرية والبينية ظاهرتان في هذا الأمر، فنجد في سورة الفاتحة لما قال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 5] عرفه فقال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6] ثم حدده فقال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 7] فجعل الصراط المستقيم طريق الأخيار، وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهو بين طريقي المغضوب عليهم والضالين.

وكذلك في سورة البقرة قال تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة: 142] فقال بعدها مباشرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143]، وقد تحدث المفسرون عن الكاف في هذه الآية، وذكر غير واحد (الكاف) للربط بين جعلهم أمة وسطا وهدايتهم للصراط المستقيم (?).

وهذه بعض الأحاديث التي تزيد الأمر وضوحا:

فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطا وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (?).

وذكر القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أن رجلا قال لابن مسعود -رضي الله عنه-: ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015