هذا الموضع نص القرآن على أن الربا كان محرما في الديانة الموسوية التي هي أوسع الشرائع السابقة وأكثرها عناية بالتشريعات وهذا النص من شأنه أن يدع المسلمين في موقف ترقب وانتظار لنهي يوجه إليهم قصدًا في هذا الشأن (?).

الموضع الثالث: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدِّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 130 - 132]، وفي هذا الموضع جاء النهي الصريح عن الربا بعد التمهيدين السابقين في الموضعين؛ ولكنه لم يكن إلا نهيا جزئيا عن الربا الفاحش الذي يتزايد حتى يصير أضعافا مضاعفة، وبهذا النهي عن الربا الفاحش تهيأت النفوس وأصبحت مستعدة لتقبل النهي العام الشامل لكل أنواع الربا قل أم كثر، وهذا هو ما ورد في الآيات التي ختم بها التشريع في الربا.

الموضع الرابع: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278 - 279].

خاطب الله المؤمنين بأشرف صفاتهم وهو الإيمان ليحملهم ذلك على تقوى الله وترك ما بقي لهم من الربا قبل التحريم وفي هذا الأمر تحريما مؤبدا مؤكدًا، وإنذارا قطع كل الأعذار.

وبهذا تتضح وسطية القرآن في التشريع في باب التدرج عند التحريم لشيء اعتاد الأفراد عليه أو ألفوه في المجتمع فالتدرج في التحريم وسط بين التحريم الفوري الذي لا ينسجم مع نفوس الناس وفطرتهم وما اعتادوه وبين الإفراد وهو ترك الناس على ما اعتادوه من فساد وحرام لا يليق مع البشر السوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015