وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، قال ابن كثير: أي جهدكم وطاقتكم وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، لأنه لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى هذه الآية تخفيفا للمسلمين: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، فنسخت الآية المذكورة، ودلالة الوسطية على هذا القول واضحة جلية.

ونقف أمام قوله تعالى في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً *نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً *أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل: 1 - 4]، ثم قال في آخر السورة: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل: 20].

قال ابن كثير في تفسير لهذه الآية: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي: من غير تحديد بوقت، أي: ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر عن الصلاة بالقراءة، كما قال في سورة الإسراء: (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ) [الإسراء: 110]. أي بقراءتك (?).

وقال القرطبي: قوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) قيل: (أي: فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم، وأصل التوبة الرجوع، فالمعنى: رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر) (?).

وفي الآيات السابقة دلالة واضحة على منهج الوسطية في قيام الليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015